للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجعلت تلك الليلة ليلة عيد سعيد بالأمل الواسع والقلب الجذلان.

وفي يوم آخر قررت عرض المسألة على الوزير، وذهبت إلى الديوان ووقفت بحيث تراني عين الوزير، فتأمل فيّ الوزير ساعة ثم طأطأ رأسه، فقلت صارت المعرفة نكرة:

نسيتم أخلائي عهودي كأننا ... على جبلي نعمان لم نتجمّع

وأردت العودة، إلا أن أحد الخدم جاء وأخذني إلى البيت الخاص بالوزير، الذي ما أن انتهى من عمله حتى جاء وأظهر لي ما كان ينبغي من الإكرام وقال:

تذكّر ليلى وعهدا قديما ... وملكا كبيرا وفوزا عظيما

وقال سقى الله عهدا تولّى ... فأبلى شبابا وأفنى نعيما

زمانا كألفاظ سعدى صحيحا ... فعاد كألحاظ ليلى سقيما

وعرضت عليه المسألة، فقال: غدا، عندما تتلألأ الشمس بأشعتها الذهبية، وتعود شياطين الظلمة إلى سجن الأرض، ويأتي الشيخ سوري إلى الديوان ليخدم الحق، فتعال أنت على أثره، لكي يصيبك منه الإكرام والإنعام الذي تستحقه، وأشكره- الوزير سوري- بلغة يعجز عن بلوغ نهايتها وغايتها البنان والبيان، ولا تصل القدرة الإنسانية والاستطاعة البشرية إلى درك جملها وتفصيلها [٨٣] لأن شكر شجرة البستان، ثمرته المزيد من الإحسان، وسوري في يومنا هذا هو من أشد الناس فقرا في هذه الدولة التي شارفت على نهايتها، ولا يمكن مخاطبته بلغة الزجر والتأديب.

فقال الشيخ أبو الحسن: فعملت طبق وصيته، ونظمت درر عقد ذلك الشكر، فلما خرج سوري قال لي: أيها الشيخ! أتشكر نعمة لم أنعم عليك بها بعد؟ فأية حالة عجيبة، وصفة بديعة هذه؟

أسأنا إليكم ثم أنتم شكرتم ... إساءتنا، هذا لديّ عجيب

وإن امرءا يهدي إليك كرامة ... وبرا ويرعى حقكم لمصيب

<<  <   >  >>