وصحبت هذا رغبة الخلفاء في نقل العلوم والفنون إلى اللغة العربية، فبدأ «المنصور» يعتنى بنقل كتب النجوم والطب، ويجيء «الرشيد» فينقل في أيامه كتاب المجسطي. ثم يظل عصر «المأمون» فتتسع حركة النقل في أيامه. وكان أكثر هؤلاء النقلة من السريان النساطرة، لأنهم كانوا أقدر على الترجمة من اليونانية، وكان أشهرهم: آل بختيشوع، وآل حنين، وقسطا بن لوقا، وغيرهم.
وكان أشهر النقلة من الفارسية إلى العربية: ابن المقفع، والفضل بن نوبخت، وموسى ويوسف: ابنا خالد، وكثير غيرهم «١» .
ومن الذين نقلوا عن اللغة السنسكريتية (الهندية) : منكة الهندي، وابن دهن.
ومن الذين نقلوا عن اللغة النبطية (الكلدانية) : ابن وحشية، نقل كتبا كثيرة.
أهمها: كتاب الفلاحة النبطية.
ولقد بلغ عدد الكتب التي نقلت في تلك الحقبة القصيرة بضع مئات.
هذا هو العصر الّذي أقبل عليه ابن قتيبة والّذي شارك فيه: عصر نزاع ديني.
وعصر نزاع نحوي، وعصر علوم مختلفة وثقافات متعددة. وكان بعيدا أن يعيش رجل مثل «ابن قتيبة» بمعزل عن هذا وذاك، بل كان لا بدّ أن يتأثر به وينغمس فيه.
ولكنّا قبل أن نصل الحديث بابن قتيبة نحب أن نمهد له بشيء عنه.