يكلمونهم، ولا يتزوجون منهم ولا يزوّجوهم، حتى يسلِّموا محمدًا -صلى الله عليه وسلم- لقتله والانتهاء من أمره.
وكتبوا بذلك ميثاقًا علقوه في جوف الكعبة، واستمرت المقاطعة ثلاث سنوات، واشتد الأمر على بني هاشم وبني المطلب، حتى أكلوا ورق الشجر، وحوصروا في شِعبهم ولا يخرجون منه إلا في الأشهر الحرم، للتعامل مع وفود الحج والعمرة، وكان أهل مكة يزايدون عليهم لحرمانهم من كل خير، حيث منعوا أن يتصل بهم أحد من القبائل البعيدة عن مكة، وكانوا إذا رأوا تجارة قادمة سارعوا بشرائها، قبل أن تصل إلى المحاصرين في الشعب، مبالغين في ثمنها، ودام الحال على ذلك، حتى قضى الله بنقض المقاطعة وتمزيق الميثاق المكتوب.
ما يستفاد من المقاطعة:
أولًا: أغيظ ما يغيظ الكفار انتشار الإسلام بين الناس؛ لأن هذا يدل على انحسار الكفر واندحاره في مستقبل الأيام.
ثانيًا: أن أهل الباطل حين يعجزون عن مقارعة الحجة بالحجة، ومواجهة الفكرة بالفكرة، يلجئون إلى أسلوب التصفية، وسفك دماء الذين يخالفونهم في التوجيه والفكر والعقيدة؛ ظنًّا منهم أن بقتلهم تقتل دعواتهم وتموت مبادئهم، وهذا وهْم باطل وظن كاذب، أثبت الواقع كذبه وبطلانه.
ثالثًا: إن هذا الخبر يدلنا على الحالة النفسية التي يعاني منها معسكر الكفر، هذه المعاني تدل على انهيار في الروح المعنوية، وهم يرون الإسلام يزحف، والكفر يتراجع، ومصيرهم مهدد.