بداية نزول الوحي على النبي -صلى الله عليه وسلم- وفترته
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن سلك طريقه واتبع هداه، وبعد:
لقد كان بدء نزول الوحي على النبي -صلى الله عليه وسلم- ونزول صدر سورة اقرأ نقطة تحول في تاريخ البشرية، نقلتها من طريق الاعوجاج والظلام إلى طريق الهدى والنور، طريق الله المستقيم المؤدي إلى النجاة في الدنيا والآخرة، ويعلق الأستاذ العقاد على ذلك بقوله:"لقد تحوّل خط التاريخ كما لم يتحول من قبل قط، وكما لم يتحول من بعد أيضًا".
وكان هذا الحدث هو مفرق الطريق، وقامت المعالم في الأرض واضحة عالية لا يطمسها الزمان، ولا تطمسها الأحداث، وقام في الضمير الإنساني تصور للوجود وللحياة وللقيم لم يسبق أن اتضح بمثل هذه السورة، ولم يجئ بعده تصور، في مثل شموله ونصاعته وطلاقته من اعتبارات الأرض جميعًا، مع واقعيته وملاءمته للحياة الإنسانية.
ولقد استقرت قواعد هذا المنهج الإلهي في الأرض، وتبينت خطوطه ومعالمه؛ ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة، لا غموض ولا إبهام، إنما هو الضلال عن علم، والانحراف عن عمد، والالتواء عن قصد.
إنه الحادث الفذ في تلك اللحظة الفريدة، الحادث الكوني الذي ابتدأ به عهد في هذه الأرض وانتهى عهد، والذي كان فرقانًا في تاريخ البشرية لا في تاريخ أمة ولا جيل، والذي سجلته جنبات الوجود كله، وهي تتجاوب به وسجّله الضمير الإنساني، وبقي أن يتلفت هذا الضمير اليوم على تلك الذكرى العظيمة ولا ينساها، وأن يذكر دائمًا أنه ميلاد جديد للإنسانية لم يشهده إلا مرة واحدة في الزمان.