العظيم الذي ينتظرك، والعبء الثقيل المهيئ لك، قم للجهد والنصب والكد والتعب، قم فقد مضى وقت النوم والراحة، وما عاد منذ اليوم إلا السهر المتواصل والجهاد الطويل الشاق، قم فتهيئ لهذا الأمر واستعد.
إنها كلمة عظيمة رهيبة، تنزعه -صلى الله عليه وسلم- من دفء الفراش في البيت الهادئ والحضن الدافئ، لتدفع به في الخضم بين الزعازع والأنواء، وبين الشد والجذب في ضمائر الناس، وفي واقع الحياة سواء.
وقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فظل قائمًا بعدها أكثر من عشرين عامًا، لم يسترح ولم يسكن ولم يعش لنفسه، ولا لأهله، قام وظل قائمًا على دعوة الله، يحمل على عاتقه العبء الثقيل الباهظ، ولا ينوء به عبء الأمانة الكبرى في هذه الأرض، عبء البشرية كلها، عبء العقيدة كلها، وعبء الكفاح والجهاد في ميادين شتى.
عاش في المعركة الدائبة المستمرة أكثر من عشرين عامًا، لا يلهيه شأن عن شأن في خلال هذا الأمد، منذ أن سمع النداء العلوي الجليل، وتلقى منه التكليف الرهيب، جزاه الله عنا وعن البشرية كلها خير الجزاء.
مرحلة الدعوة السرية
مرحلة الجهاد بالدعوة إلى الله سرّا ثلاث سنوات:
قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد نزول ما تقدم من آيات سورة المدثر بالدعوة إلى الله -سبحانه وتعالى، وحيث إن قومه كانوا جفاة، لا دين لهم إلا عبادة الأصنام والأوثان، ولا حجة لهم إلا أنهم ألفوا آباءهم على ذلك، ولا أخلاق لهم إلا الأخذ بالعزة والأنفة، ولا سبيل لهم في حل المشاكل إلا السيف، وكانوا مع ذلك متصدّرين للزعامة الدينية في جزيرة العرب، ومحتلين مركزها الرئيسي، ضامنين حفظ كيانها، فقد