ثم حمي الوحي بعد، وتتابع، وهذه الآيات هي مبدأ رسالته -صلى الله عليه وسلم- وهي متأخرة عن النبوة بمقدار فترة الوحي، وتشتمل على نوعين من التكليف مع بيان ما يترتب عليه:
النوع الأول: تكليفه -صلى الله عليه وسلم- بالبلاغ والتحذير، وذلك في قوله تعالى:{قم فأنذر} فإن معناه حذِّر الناس من عذاب الله، إن لم يرجعوا عما هم فيه من الغي والضلال، وعبادة غير الله تعالى، والإشراك به في الذات والصفات والحقوق والأفعال.
النوع الثاني: تكليفه -صلى الله عليه وسلم- بتطبيق أوامر الله -سبحانه وتعالى- على ذاته، والالتزام بها في نفسه ليحرز بذلك مرضاة الله، ويصير أسوة حسنة لمن آمن به، وذلك في بقية الآيات، فقوله:{وثيابك فطهر} الظاهر منه تطهير الثياب والجسد؛ إذ ليس لمن يكبر الله ويقف بين يديه أن يكون نجسًا مستقذرًا، وإذا كان هذا التطهر مطلوبًا، فإن التطهر من أدران الشرك وأرجاس الأعمال والأخلاق أولى بالطلب.
وقوله:{وَالرُّجْزَ فَاهْجُر} معناه: ابتعِد عن أسباب سخط الله وعذابه، وذلك بالتزام طاعته وترك معصيته. وقوله:{وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِر} أي: لا تحسن إحسانًا تريد أجره من الناس، أو تريد له جزاء أفضل في هذه الدنيا.
أما الآية الأخيرة ففيها تنبيه على ما يلحقه من أذى قومه، حين يفارقهم في الدين، ويقوم بدعوتهم إلى الله وحده، وبتحذيرهم من عذابه وبطشه فقال:{وَلِرَبِّكَ فَاصْبِر}.
ثم إن مطلع الآيات تضمنت النداء العلوي، في صوت الكبير المتعال، بانتداب النبي -صلى الله عليه وسلم- لهذا الأمر الجلل، وانتزاعه من النوم والتدثر والدفء، إلى الجهاد والكفاح والمشقة. {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر*قُمْ فَأَنذِر} كأنه قيل: إن الذي يعيش لنفسه قد يعيش مستريحًا، أما أنت الذي يحمل هذا العبء الكبير فما لك والنوم، وما لك والراحة، وما لك والفراش الدافئ والعيش الهادئ، والمتاع المريح؟! قم للأمر