(الأساليب والوسائل الدعوية من خلال السيرة النبوية (٢))
عصمة الله رسولَه -صلى الله عليه وسلم- من دنس الجاهلية
الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه، ونصلي ونسلم على خير خلقه محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه، ومن استن بسنته، وسار على نهجه إلى يوم الدين، وبعد:
عصمة الله رسولَه من دنس الجاهلية:
لقد مَنَّ الله على رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- منذ نشأته بأن حفظه من دنس الجاهلية، وأبعده عن الهزل وأهله، وعاش محمد -صلى الله عليه وسلم- حياته كلها في أعمال فاضلة وسلوك سليم، ولم يؤثَر عنه ريبة قط، بل كان في كل حالاته وأحواله رجلًا فاضلًا ممتازًا، حتى عُرف في مكة بحسن العمل وسمو السلوك.
ومع خروج النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى مجتمع مكة، واختلاطه بشبابها، وتعامله مع رجالها- كانت عناية الله معه، فصار رجلًا أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خلقًا، وأكرمهم حسبًا، وأحبهم جوارًا، وأعظمهم حلمًا، وأصدقهم حديثًا، وأكثرهم أمانة، وأبعدهم عن الفحش والأخلاق التي تدنس الرجال.
ما رُؤي -صلى الله عليه وسلم- مُلاحِيًا ولا مماريًا أحدًا، حتى عرفه قومه بالأمين الصادق، صرف الله عنه كل ما يسيء ويشين، فعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((ما هممتُ بشيء مما كان أهل الجاهلية يهيمون به من الغناء إلا ليلتين، كلتاهما عصمني الله منهما. قلت ليلة لبعض فتيان مكة ونحن في رعاية غنم أهلنا: هيا بنا نسمر كما يسمر الشباب، وقلت لصاحبي: أبصر غنمي حتى أدخل مكة فأسمر بها كما يسمر الفتيان، فقال: بلى، فدخلتُ حتى إذا جئت أول دار من دور مكة سمعت عزفًا وغرابيل ومزامير. قلت: ما هذا؟ قيل: تزوج فلان فلانة، فجلست أنظر وضرب الله على أذني، فوالله ما أيقظني إلا مس الشمس، فرجعت إلى صاحبي فقال: ما فعلت؟ قلت: ما فعلت شيئًا، ثم أخبرته بالذي رأيت. ثم قلت له ليلة أخرى: أبصر لي غنمي حتى أسمر بمكة ففعل، فدخلت فلما جئت مكة سمعت مثل الذي سمعت تلك الليلة، فجلست