أنظر، وضرب الله على أذني، فوالله ما أيقظني إلا مس الشمس، فرجعت إلى صاحبي فقال: ما فعلت؟ فقلت له: لا شيء، ثم أخبرته بالذي رأيت، فوالله ما هممت ولا عدت بعدها لشيء من ذلك حتى أكرمني الله بنبوته)).
ولما شب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانت مكة تعجّ بمختلف أنواع اللهو والفساد والملاذ الشهوانية الدنسة، كانت حانات الخمر منتشرة وبيوت الريبة، وعليها علامات تعرف بها، ووجود المغنيات والماجنات والراقصات من الأمور العادية الموجودة في ذلك المجتمع، تتوجها عبادة الأصنام والأوثان.
وكان المجتمع المكي يوم ذاك يقر ذلك ويعتبره جزءًا من حياة الناس، والله سبحانه وتعالى برأ رسوله واختاره من أكرم معادن الإنسانية، ثم اختاره لحمل أكمل رسالات السماء إلى أمم الأرض، ولذلك أحاطه بكل أنواع الرعاية والحفظ.
وقد روى ابن سعد في (الطبقات) أن أم أيمن قالت: ((كانت بوانة صنمًا تحضره قريش تعظمه، وتنسك له النسائك ويحلقون رؤوسهم عنده، ويعكفون عنده يومًا إلى الليل، وذلك يومًا في السنة، وكان أبو طالب يحضره مع قومه، وكان يكلم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يحضر ذلك العيد مع قومه، فيأبى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يحضر ذلك العيد مع قومه، حتى رأيت أبا طالب غضب عليه، ورأيت عماته غضبن عليه يومئذ أشد الغضب، وجعلن يقلن: إنا لنخاف عليك يا محمد مما تصنع من اجتناب آلهتنا، وجعلن يقلن: ما تريد يا محمد أن تحضر لقومك عيدًا ولا تكثر لهم جمعًا؟! قالت: فلم يزالوا به حتى ذهب، فغاب عنهم ما شاء الله، ثم رجع إلينا مرعوبًا فزعًا فقالت عماته: ما دهاك؟ قال: إني أخشى أن يكون بي لمم فقلن له: ما كان الله ليبتليك بالشيطان وفيك من خصال الخير ما فيك، قال: إني كلما دنوت إلى صنم منها تمثّل لي رجل أبيض طويل يصيح بي: وراءك يا محمد لا تمسه. قالت: فما عاد لعيد لهم حتى تنبأ)).