ولعل هذا القول الأخير أقوم من غيره، فهو الذي يتفق وما شغف محمد -صلى الله عليه وسلم- به من التأمل، ومن التفكير، وما عرف من غياب الشرائع يوم ذاك، حتى إن كثيرًا من الحنفاء لم يصلوا إلى شيء، رغم ما بذلوا من جهد للوصول إلى دين حقيقي.
واستمر محمد -صلى الله عليه وسلم- على عادته تلك في حب الخلاء والانقطاع له، ومداومة البحث عن الحقيقة حتى هداه الله إليه، بنزول الوحي وبدء الرسالة، وفي ذلك يقول الله تعالى:{وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى}(الضحى: ٧).
يذهب المفسرون في بيان المعنى المراد من الضلال إلى معان كثيرة، فهو بمعنى الغفلة عما يراد بك من أمر النبوة، وبمعنى عدم معرفة دين وشرع ما، فهداك الله للإسلام وشريعته، وبمعنى في وسط ضلال قومك وكفرهم فهداهم الله بك، وبمعنى الحيرة فيما ترى فعرَّفك بالصواب والحق.
حال النبي عند نزول الوحي عليه، وصور ذلك الوحي
بلوغ محمد صلى الله عليه وسلم سن الأربعين:
وبلغ محمد -صلى الله عليه وسلم- سن الأربعين، وكمل في ذاته وأصبح مستعدًا لتكميل الآخرين، وهنا جاء وحي الله، كما هو الشأن مع جميع الأنبياء والمرسلين.
يروي البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال:((أُنزل الوحي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو ابن أربعين سنة)).
لقد حاول محمد -صلى الله عليه وسلم- الوصول إلى الحقيقة المتصلة بالوجود والحياة، وطال تفكيره وتدبره، ولم يصل إلى ما يتمنى ويريد، إنه يسمع عن دين الله وأنبياء الله، لكنه