بينها، بعد أن عايشهم وخبرهم وأحاط بمذاهبهم وأخلاقهم، وذلك من صناعة الله وتقديره، نلحظ ذلك في قصص القرآن الكريم؛ حيث إن نوحًا وإبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم -عليهم جميعًا صلوات الله وسلامه- قد أرسِلوا إلى أقوامهم بعد أن عاشوا قبلهم مدة ما قبل الرسالة، ولذلك كان رسل الله -عليهم الصلاة والسلام- يدعون قومهم إلى التوحيد، وبعدها ينتقلون مباشرة إلى توجيههم نحو الصواب، ووجوب التخلّص من الرذائل التي كانت متفشية فيهم.
إنّ الرسل كانوا يتحرّكون بوحي من الله تعالى، ومع ذلك فقد جعل الله حركتهم أسوة للمؤمنين، يتخذونها منهجًا للدعوة، ودستورًا للعمل الخير الأمين.
سنة الاختلاف، والاختلاف فى علم الفقه، والاختلاف بين الصحابة
الاختلاف بين الناس سنة من سنن الله في الخلق والتكوين، يقول الله تعالى:{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}(هود: ١١٨، ١١٩) قال ابن كثير: "يخبر تعالى أنه قادر على جعل الناس كلهم أمة واحدة، من إيمان وكفران، كما قال تعالى:{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا}(يونس: ٩٩) وقوله: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ}(هود: ١١٩) أي: ولا يزال الخلف بين الناس في أديانهم واعتقادات مللهم ونحلهم ومذاهبهم وآراءهم"، وقال عكرمة:"مختلفين في الهدى"، وقال الحسن: "مختلفين في الرزق، سخر بعضهم بعضًا، والمشهور الصحيح الأول، وقوله:{إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ}(هود: ١١٩) أي: الموحدين من أتباع الرسل، الذين تمسّكوا بما أمروا به من الدين، أخبرتهم به رسل الله إليهم، ولم يزل ذلك دأبهم، حتى كان النبي -صلى الله عليه وسلم- وخاتم الرسل والأنبياء، فاتبعوه وصدقوه ووازروه، ففازوا بسعادة الدنيا والآخرة؛ لأنهم الفرقة الناجية، كما جاء في الحديث المروي في المسانيد والسنن، من طرقٍ يشد