(تابع دروس في فقه الدعوة من خلال الهجرة إلى المدينة)
تخطيط النبي -صلى الله عليه وسلم- للهجرة إلى المدينة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وخاتم النبيين ورحمة الله للعالمين سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن استنَّ بسنته وسار على نهجه إلى يوم الدين وبعد:
تخطيط النبي -صلى الله عليه وسلم- للهجرة:
والمدقق يجد أن غار ثور جنوب المدينة، وهذا تورية من الرسول -صلى الله عليه وسلم- على العدو؛ لأنَّ الذي سيطارده سيتوجّه فورًا إلى الشمال نحو مكة، ولا يخطر بباله أن يتوجّه إلى الجنوب حيث غار ثور؛ لأنّه عكس طريق الهجرة تمامًا، إنه التخطيط النبوي العميق، والتنفيذ الدقيق.
وتقتضي الخطة أن يلجأ الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه إلى الغار، يخرجان في اليوم الثالث منه، ويتوجّهان نحو المدينة، ويقوم علي بن أبي طالب بالنوم في فراش الرسول -صلى الله عليه وسلم، ورَدِّ الأمانات إلى أهلها من مشركي مكة، ويقوم عبد الله بن أبي بكر بعد أن يطوف بنوادي قريش، ويسمع منهم عن الرسول -صلى الله عليه وسلم، وما الإجراءات التي سيتخذونها ضده، بتزويد النبي -صلى الله عليه وسلم- بأخبار قريش مساء، بعد أن يقضي طول النهار مع زعمائها وقادتها.
- وتقوم أسماء بتزويد النبي -صلى الله عليه وسلم- بالطعام والشراب في النهار، ويأتي عامر بن فهيرة راعي أبي بكر، فيخفي آثار عبد الله وأسماء، وكأنّي بعبد الله بن أبي بكر يأتي في اليوم الأول، فيخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن الطلب بشأنه شديد، ويوصي بعدم الخروج من الغار، ويأتي في اليوم الثاني بأخبار أنّ الرصد قد خف، إلّا أن الخروج في اليوم الثاني حَرِج، ولكن التوصية أن يخرج في اليوم الثالث.
تأمّل الاتفاق بين التقدير النبوي الذي قدَّره الرسول -صلى الله عليه وسلم- لعبد الله بن أريقط، دليل الطريق، وبين تقرير عبد الله بن أبي بكر.