(بلاغة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأثرها في الخطابة)
أثر القرآن في بلاغة الرسول، وبلوغه -صلى الله عليه وسلم- الغاية في البيان
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
أ- أثر القرآن الكريم في بلاغة الرسول -صلى الله عليه وسلم-:
الرسول -صلى الله عليه وسلم- أكثر الخلق تأثرًا بكتاب الله على الإطلاق، لقد كان محمد -صلى الله عليه وسلم- آية في فصاحة القول وسمو البيان، بل كان أبلغ العرب قاطبة، وهذه قضية لم تكن في يوم من الأيام موضع ارتياب من منصف قديم أو حديث، صديق أو عدو، وقد كانت هذه البلاغة العالية أثرًا طبيعيًّا لأسباب توافرت لها، ونتيجة حتمية لمقدمات أدت إليها، فالنبي محمد عربي، وهو من خير العرب قبيلة، ومن أعلاهم نسبًا، ومن أعظمهم بيتًا.
العرب سادة الأمم، وقريش سادة العرب، وبنو هاشم سادة قريش، ومحمد سيد بني هاشم، بل هو -صلوات الله عليه- سيد الأولين والآخرين، ومن مظاهر سيادة قريش أنها كانت أفصح قبائل العرب لهجة، وأصفاها بيانًا، وأعذبها منطقًا، وأقواها لسانًا.
ولقد تهيأ للغة القرشية قبل الإسلام من عوامل النقاء والصفاء والفصاحة والبيان، ما جعلها جديرة بأن ينزل بها القرآن، بأن ينزل بها كتاب الله تعالى، ذلك الكتاب الذي تحدى العرب ببلاغته وفصاحته، بالقول الجزل واللطيف العذب من ألفاظه، وبالرائع البارع من تراكيبه، وبالرفيع السامي من معانيه.
ولم يكد يقترب يوم ميلاد الإسلام حتى كانت اللغة القرشية سيدة لغات العرب بلاغة وفصاحة، وهذا مصداق قوله تعالى في شأن القرآن الكريم:{وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}(الشعراء: ١٩٢ - ١٩٥) ومن المؤكد أن القرآن نزل كله أو جله بلغة قريش،