الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن استن بسنته وسار على نهجه إلى يوم الدين وبعد:
الهجرة الأولى إلى الحبشة:
كانت بداية الاعتداءات على المسلمين في أواسط أو أواخر السنة الرابعة من النبوة بدأت ضعيفة، ثم لم تزل تشتد يومًا فيومًا، وشهرًا فشهرًا، حتى تفاقمت في أواسط السنة الخامسة، ونبا بهم المقام في مكة، وأخذوا يفكرون في حيلة تنجيهم من هذا العذاب الأليم، وفي هذه الظروف نزلت سورة الزمر، تشير إلى اتخاذ سبيل الهجرة، وتعلن بأنَّ أرض الله ليست بضيقة، قال -سبحانه وتعالى:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}(الزمر: ١٠).
ولمَّا رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما يصيب أصحابه من البلاء، وما كان ينالهم من التعذيب والإهانة، وأنه لا يقدر أن يمنع عنهم ما يصيبهم، نصح المسلمين بالخروج إلى الحبشة، وفي تلك الظروف الحرجة كانت هجرة المسلمين إلى الحبشة فرارًا بدينهم من بلاد الفتنة إلى بلاد الأمان.
ومن الثابت أنَّ المسلمين هاجروا إلى الحبشة مرَّتين، وكانت الهجرة الأولى في شهر رجب من سنة خمس من المبعث، وهم أحد عشر رجلًا وأربع نسوة، خرجوا متسللين سرًّا.
وقد ثبت من طرق صحيحة ما ورد عن أم المؤمنين أم سلمة -رضي الله عنها- وكانت ضمن من هاجر إلى الحبشة في الهجرة الأولى؛ حيث قالت: "لما ضاقت علينا مكة، وأوذي أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وفتنوا، ورأوا ما يصيبهم من البلاء والفتنة في دينهم، وأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يستطيع دفع ذلك عنهم، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في