لا يعرف حقيقة الألوهية وحقوقها، ويجهل كل ما يتصل بالنبوة والرسالة، وإدراكه للملأ الأعلى بسيط، والأسرار من حوله تتكاثر وتتعدد، وكلما طال تأمله تشعبت مناحي النظر، وبعدت عن الأسرار والغايات.
والعقل مهما سما إدراكه، ومهما دق فكره، ومهما تعمقت تأملاته ونظراته، لا يمكنه أن يصل إلى شيء من حقائق هذا الوجود، ولابد له من وحي الله؛ يكشف له الأسرار التي يحتاج إليها، ومحمد -صلى الله عليه وسلم- مع صفاء نفسه وكمال عقله وسمو روحه- يحتاج إلى فيوضات الله تهديه للحق، وتنقذه من الحيرة، وتعرفه بالحقائق الدينية التي لا يمكن للعقل أن يصل إليها.
كما يحتاج لرحمة الله مراعاةً لجانب البشرية فيه، حتى لا تفاجئه روحانية الوحي، وغرائب الملأ الأعلى، ويحتاج كذلك إلى تعلم كيفية الاتصال بخالقه والتعامل مع الملائكة، واستقبال الوحي بمختلف صوره وأشكاله.
وقد تجلت فيوضات الله تعالى على محمد -صلى الله عليه وسلم- بصورة رقيقة شفيقة، عمادها الرحمة والمودة، وعناصرها الترقي ببشرية محمد -صلى الله عليه وسلم- ليكون نبيًّا ورسولًا.
وكانت رحمة الله مع محمد -صلى الله عليه وسلم- حين جاءه وحي الله تعالى؛ إذ كلفه بالنبوة أولًا، وجاءه الوحي ينبئه، ومن المعروف أن النبوة لا تُزيل طباع البشرية كلها، فلما خبر النبي -صلى الله عليه وسلم- الوحي، ورأى صوره وأنواعه، وأصبح متألقًا مع لقائه، جاءته الرسالة فصار رسولًا نبيًّا.
ولقد نُبئ محمد -صلى الله عليه وسلم- وجاءه الوحي من عند الله، واستمر على ذلك مدة تُعد تمهيدًا لإرساله، أراد الله أن يهيئه خلالها للتعامل مع الملائكة والاتصال بالله، ويعرفه كذلك بكل ما تحتاجه الرسالة من أمور لابد منها للرسول المختار.