وقيل: إن عدة نسائهم كانت ثماني عشرة امرأة، ولا شكَّ في أن دوافع الهجرة الثانية قد شملت اشتداد البلاء، وتعاظم الفتنة، والتعذيب الدائم للمستضعفين من المسلمين، والعدوان المستمر على أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم.
مكيدة قريش بمهاجري الحبشة:
عزَّ على المشركين أن يجد المهاجرون مأمنًا لأنفسهم ودينهم، فاختاروا رجلين جَلَدَين لبيبين، وهما عمرو بن العاص، وعبد الله بن أبي ربيعة، قبل أن يُسلما، وأرسلوا معهما الهدايا المستطرفة للنجاشي ولبطارقته، وبعد أن ساق الرجلان تلك الهدايا إلى البطارقة، وزوَّداهم بالحجج التي يُطرَد بها أولئك المسلمون، وبعد أن اتفقت البطارقة أن يشيروا على النجاشي بإقصائهم، حضرا إلى النجاشي وقدَّمَا له الهدايا، ثم كلماه وقالا له: أيها الملك، إنه قد ضوى إلى بلدك غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينك، وجاءوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم؛ من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم؛ لتردهم إليهم، فقالت البطارقة: صدقا أيها الملك، فأسلمهم إليهم، فليرداهم إلى قومهم وبلادهم.
ولكن رأى النجاشي أنه لا بُدَّ من تمحيص القضية وسماع أطرافها جميعًا، فأرسل إلى المسلمين ودعاهم فحضروا، وكانوا قد أجمعوا على الصدق كائنًا ما كان، فقال لهم النجاشي: ما هذا الدين الذي فارقتم به قومكم، ولم تدخلوا به في ديني، ولا دين أحد من هذه الملل؟ قال جعفر بن أبي طالب، وكان هو المتحدث عن المسلمين: أيها الملك، كنا قومًا أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل منا القوي الضعيف، فكنّا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولًا منَّا، نعرف نسبه وصدقه