للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أمَّا البطارقة فإنهم لم يتأثروا؛ لأنهم لا إيمان لهم، وقلوبهم مشغولة بالدنيا، ويبيعون أنفسهم ودينهم وأمانتِهم بهدية من مشرك أو كافر كما علمت.

رابع عشر: إننا نحسب بل نجزم أنَّ النجاشي الذي أسلم، هو هذا النجاشي الذي أعلن تأييده لما قال جعفر في عيسى -عليه السلام؛ إذ نفى عنه صفة الألوهية، ووصفه بالعبودية لله، في حين أن البطارقة غضبوا من وصفه، وأنكروا عليه ذلك.

لقد قال لجعفر ولهم حين سمع عقيدة المسلمين في عيسى -عليه السلام: أنَّ مصدر عقيدة المسلمين وغيرهم في الله، قبل التحريف واحدة: إنها عقيدة التوحيد، المحاربة للشرك، فالله غني عن الولد والوالد والزوجة، والذي يقول هذا كافر في دين الله.

وأمّام ضغط البطارقة والدولة لهم فيها نفوذ كبير، كتم النجاشي إيمانه بالله وتوحيده وعبادته، وترك أوضار الشرك وعقيدة التثليث، ولكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان عالمًا بحقيقة إيمان الرجل فنعاه، وبعد موته صلى عليه صلاة الجنازة.

خامس عشر: الحبشة لا تصلح أن تكون محضنًا للدعوة الإسلامية، وإقليمًا للدولة الإسلامية: لقد تبيّن من الدراسة الميدانية أنَّ الحبشة لا تصلح لتكون إقليم الدولة الإسلامية المرتقبة لعدة أسباب هي:

١ - النظام الحاكم في الحبشة نظام ملكي ضعيف وغير مستقر، وبخاصَّة بين النجاشي الحاكم وبين مخالفيه من أسرته الحاكمة، الذين ينازعونه الملك، وقد وصل هذا النزاع إلى حدِّ القتال، ولقد عانى المسلمون من هذه الحالة القلق والاضطراب، وكانت ساعات حرجة؛ لأنها تقرر مصيرهم.

٢ - إنَّ الملك -وإن كان حاكمًا على الحبشة- لم يكن قد بسط نفوذه على الناس، ولم يكن ليجرأ على إعلان عقيدته وإيمانه، بل كان ينكر ذلك

<<  <   >  >>