وكان ينام على فراض من جلد حشوه ليف، ويجلس على الحصير، وينام عليها كثيرًا.
معيشته في بيته:
كان حلو المعاشرة لزوجاته، كثير المسامرة لهنّ، متحملًا لأخلاقهنّ، وخاصة غيرتهن، وكان يقول:((خيركم خيركم لأهله))، وكان نساءه يحتملن منه شدة الحال وخشونة العيش، وكان يسره ذلك منهنّ، فلمّا فكّرن يومًا أن يطلبن منه التوسعة والزينة والمطعم، شقّ ذلك عليه، وهجرهنّ شهرًا لا يكلمهن، ثم نزل قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا* وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا}(الأحزاب:٢٨، ٢٩).
فلمّا نزلت هاتان الآيتان خيّرَ نساءه وبدأ بعائشة، وقال لها:((ما أحبّ أن تختاري حتى تستأمري أبواك)) ثم تلا عليها الآيات، وفيها التخيير بين أن تبقى عنده على شظف العيش وخشونة الحياة، وبين أن يفارقها ويمتعها متاعًا جميلًا، فكان جوابها على الفور: أفيك أستأمر أبواي، بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة، وكذلك فعل بكلِّ واحدة من نسائه على انفراد، فكان جوابها كجواب عائشة، وهي لا تعلم بما أجابت به غيرها.
وظلَّ هكذا شأنه مع نسائه من التقشف وخشونة العيش حتى توفاه الله.
تقول السيدة عائشة -رضي الله عنها:"ما شبع آل محمد يومين من خبز بُرّ، ولقد كنا نمكث الشهر والشهرين لا يوقد في بيتنا نار، وما كان طعامنا إلّا التمر والماء، ولقد توفِّي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما في بيتنا شيء يأكله ذو كبد، إلّا كسرة خبز من شعير على رفٍّ لي"، وقال أنس:"رَهن النبي -صلى الله عليه وسلم- درعًا له على شعير يأخذه لطعام أهله".