كذلك جاء رجل من الأنصار يكنى أبا شعيب، فقال لغلام له قصاب: اجعل لي طعامًا يكفي خمسة، فإني أريد أن أدعو النبي -صلى الله عليه وسلم- خامس خمسة، فإنّي قد عرفت في وجهه الجوع، فدعاهم، فجاء معهم رجل، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لصاحب الدعوة:((إن هذا قد تبعنا، فإن شئت أن تأذن له فأذن له، وإن شئت أن يرجع رجع، فقال الأنصاري: لا، بل أذنت له)).
وكذلك كان من عادته -صلى الله عليه وسلم- مع أصحابه أنه يقبل معذرة المسيء، ولا يجابه أحدًا بما يكره، وإذا بلغه عن أحدٍ شيء يكرهه، نبّه على خطئه بقوله: ما بال أقوام يفعلون كذا، دون أن يذكر اسمه، ولم يكن يحب أن يقوم له أحد، وكان يجلس حيث انتهى به المجلس، وينزل إلى أسواقهم فيرشدهم إلى الأمانة، وينهاهم عن الخداع والغش في المعاملات.
وكان من عادته -صلى الله عليه وسلم- أن يبشّ إلى كلِّ من يجلس إليه، حتى يظن أنه أحب أصحابه إلى قلبه، ويقرّب إليه ذوي السبق في الإسلام والجهاد، ولو كانوا غمار الناس، ويستشر أولي الرأي فيما هو من شئون السياسة أو الحرب، أو أمور الدنيا، وينزل عند آرائهم ولو خالفت رأيه، كما حصل في معركة بدر وغيرها.
الرسول المعلم -صلى الله عليه وسلم:
حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- كلها إرشاد وهداية وتعليم، وخاصَّة ما كان من أقواله -عليه الصلاة والسلام، التي قصد بها التشريع والهداية.
((جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يريد الجهاد، فقال: أحيّ والداك؟ فقال: نعم، فقال له الرسول -صلى الله عليه وسلم: ففيهما فجاهد))، كذلك قبّل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الحسن بن علي، وعنده الأقرع بن حابس جالس، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبّلت منهم أحدًا، فنظر إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال:((مَنْ لا يرحم لا يرحم)).