للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان في مجلسه كثير الصمت، لا يتكلم في غير حاجة، يعرض عمن يتكلم بغير جميل، وكان ضحكه تبسمًا، وكان كلامه فضلًا لا فضول ولا تقصير، مجلسه مجلس حلم وحياء وخير وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، قال ابن أبي هالة: كان سكوته -صلى الله عليه وسلم- على أربع: على الحلم، والحذر، والتقدير، والتفكر.

وإليك نموذج من تأليفه -صلى الله عليه وسلم- لقلوب من حوله:

في السنة السادسة من الهجرة عزم -عليه الصلاة والسلام- على أن يوسّع نطاق دعوته إلى الله، فكتب ثماني كتب إلى ملوك العرب والعجم، وبعث بها إليهم يدعوهم فيها إلى الإسلام، وكان من جملة من كاتبهم بطل من الأبطال، وملك من الملوك، ثمامة بن أثال الحنفي، سيد من سادات بني حنيفة، وشريف من أشرافها، بل هو ملك من ملوك اليمامة، فلا يُعصَى له أمر، ولا يرد له طلب، كان بطلًا مغوارًا فارسًا شجاعًا، فلما وصله كتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما كان منه إلّا أن تلقاه بالازدراء والإعراض، أخذته العزة بالإثم، فأصمَّ أذنيه عن سماع دعوة الحق والخير، ثم ركبه الشيطان فأغراه بقتل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ووأد دعوته، فدأب يتحيّن الفرص للقضاء على النبي -صلى الله عليه سلم، حتى أصاب منه الغرة، وكادت أن تتمّ الجريمة الشنعاء، لولا أنّ أحد أعماله أثناه عن عزيمته، في آخر لحظة نجّى الله النبي -صلى الله عليه وسلم- من شره ومن مكره.

ولكن ثمامة وإن كان قد كفّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم، إلّا أنه لم يكفّ عن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم، جعل يتربّص بهم حتى ظفر بعدد منهم وقتلهم شرَّ قتلة، لما بلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الخبر، ما كان منه إلّا أن أهدَرَ دمه، وأعلن ذلك في أصحابه.

لم يمض على ذلك طويل وقت، حتى عزم ثمامة بن أثال على أداء العمرة، انطلق من أرض اليمامة موليًا وجهه شطر مكة، وهو يمنّي نفسه بالطواف حول

<<  <   >  >>