الخامس: أن قدر الله تعالى سرّ مكتوم لا يعلم به إلا بعد وقوع المقدور، وإرادة العبد لما يفعله سابقة على فعله فتكون إرادته الفعل غير مبنية على علم منه بقدر الله، وحينئذ تُنفى حجته بالقدر؛ إذ لا حجة للمرء فيما لا يعلمه.
السادس: أننا نرى الإنسان يحرص على ما يلائمه من أمور دنياه حتى يدركه، ولا يعدل عنه إلى ما لا يلائمه ثم يحتج على عدوله بالقدر، فلماذا يعدل عما ينفعه في أمور دينه إلى ما يضره ثم يحتج بالقدر، أفليس شأن الأمرين واحد؟!
وإليك مثالًا يوضح ذلك:
لو كان بين يدي الإنسان طريقان: أحدهما: ينتهي به إلى بلد كلها فوضى وقتل ونهب وانتهاك للأعراض وخوف وجوع، والثاني: ينتهي به إلى بلد كلها نظام وأمن مستتب وعيش رغيد واحترام للنفوس والأعراض والأموال؛ فأي الطريقين يسلك؟ إنه سيسلك الطريق الثاني الذي ينتهي به إلى بلد النظام والأمن، ولا يمكن لأي عاقل أبدًا أن يسلك طريق بلد الفوضى والخوف ويحتج بالقدر؛ فلماذا يسلك في أمر الآخرة طريق النار دون الجنة ويحتج بالقدر؟!
السابع: أن المحتج بالقدر على ما تركه من الواجبات أو فعله من المعاصي لو اعتدى عليه شخص فأخذ ماله أو انتهك حرمته، ثم احتج بالقدر وقال: لا تلمني؛ فإن اعتدائي كان بقدر الله؛ لم يقبل حجته؛ فكيف لا يقبل الاحتجاج بالقدر في اعتداء غيره عليه، ويحتج به لنفسه في اعتدائه على حق الله؟!
ويذكر أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- رفع إليه سارق استحق القطع، فأمر بقطع يده؛ فقال: مهلًا يا أمير المؤمنين، فإنما سرقت بقدر الله، فقال: ونحن إنما نقطع بقدر الله.