عثمان في شطر خلافته الأخير قدم الخطبة؛ لأنه رأى من الناس من تفوته الصلاة، فحرصًا منه -رضي الله عنه- على إدراك الناس الصلاة قدم الخطبة. وقيل: إن عمر -رضي الله عنه- قدم الخطبة".
قال النووي بعد أن ساق القولين المذكورين: "وليس ما روي عنهما بصحيح، فالمعتمد في أول من قدم الخطبة هو قول الجمهور، وأنه مروان حين كان أمير المدينة، والسر في عمله هذا أن الناس كانوا ينصرفون عن سماع خطبته، ولم يكن يجلس لها بعد الصلاة إلا عدد قليل، وكان الكثير منهم يتعمدون ترك سماع خطبته لما فيها مِن سب من لا يستحق السب، والإفراط في مدح من لا يستحق، فقصَد إسماع الناس خطبته بهذا الأسلوب، وهل كان دافعه إحراج الناس وإلزامهم سماعه فحسب، أو كان يهدف إلى تحصيل ثواب أكثر لهم بسماعهم خطبة العيد، فسماع الخطبة سنة يثاب عليها، نميل إلى الثاني، والله أعلم بالسرائر".
هذا؛ وبعد أن اشترط العلماء تقديم صلاة العيد على خطبته، اختلفوا فيمن خالف ذلك وقدم الخطبة على الصلاة، فذهب الحنفية إلى أنه يسن تأخير الخطبة على الصلاة، لكن يعتد بها إن قدمت وإن كانت على خلاف السنة، ولا يعيدها بعد الصلاة، وجمهور الفقهاء على أنه لا يعتد بالخطبة إذا قُدمت، ويندب إعادتها بعد الصلاة. وقيد المالكية ندب إعادتها بقرب الزمن عرفًا، فإن طال الزمن بعد الصلاة؛ فلا تعادان.
ومن هذا العرض يتضح أن موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر -في هذا الحديث- هو مخالفة سنة، ومنه ندرك مدى غيرة الصحابة على الدين، ومدى قيامهم واهتمامهم بهذا الواجب حتى مع حكامهم، نعم أنكر الرجل بلسانه واكتفى منه أبو سعيد بهذا الإنكار.