وقد حاز عبد المطلب بن هاشم جد النبي -صلى الله عليه وسلم- مكانة متميزة في قلوب الناس لكرمه وجوده، واشتهر بحفره بئر زمزم التي وفرت المياه في مكة؛ ومع أن عبد المطلب لم يكن أغنى رجال مكة ولا هو زعيمها الوحيد غير أن صلته المباشرة بشئون البيت العتيق وقيامه بخدمة حجاج البيت جعلته من أبرز زعماء مكة؛ فكان هو الذي فاوض أبرهة حين قدم بالأحباش غازيًا لمكة بقصد هدم الكعبة.
وعلى ذلك؛ فقد كانت عشيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- تتبوأ مكانة متميزة عن غيرها قبل مبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- وعند بعثته.
أما تصوراتهم عن الله -عز وجل-: فقد انحرفوا عن الطريق القويم واتخذوا أصنامًا لهم عبدوها في كل مكان، وكانوا يتمسحون بها عند سفرهم وعند قدومهم؛ ولذلك فقد تعجبوا أن دعاهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى التوحيد وقالوا:{أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}(ص: ٥).
قد روى الشيخان: أن عمرو بن عامر الخزاعي كان أول من سيب السوائب، كما أنكروا القيامة والبعث والنشور والدار الآخرة والحساب والجنة والنار؛ رغم إقرارهم بالربوبية وقسمهم بالله، كما قال سبحانه:{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ}(النحل: ٣٨)؛ فهم يعبدون الأصنام لتقرِّبهم إلى الله تعالى الذي يطمعون منه أن يمنحهم ما يأملون في هذه الحياة، التي تنتهي عادة بالهلاك الأبدي الدائم عندهم الذي ينسبونه إلى الدهر:{وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ}(الجاثية: ٢٤)، ويفضح القرآن إنكارهم للآخرة في مواضع كثيرة من الكتاب العزيز: قال الله -سبحانه وتعالى-: {وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ}(هود: ٧) وقال تعالى أيضًا: {وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ}(الأنعام: ٢٩).