والعباد فاعلون حقيقة، والله خالق أفعالهم، والعبد هو المؤمن، والكافر والبر والفاجر والمصلي والصائم وللعباد قدرة على أعمالهم ولهم إرادة، والله خالقهم وخالق قدرتهم.
هذا؛ وإن تقسيم القدر الذي يجب الإيمان به إلى خير وشر إنما هو بإضافته إلى الناس والمخلوقات؛ أما بالنسبة لله -عز وجل- فالقدر خير كله والشر لا ينسب إلى الله؛ فعلم الله ومشيئته وكتابته وخلقه للأشياء والحوادث، هذا كله حكمة وعدل ورحمة وخير؛ فإن الشر لا يدخل في شيء من صفات الله تعالى ولا أفعاله، ولا يلحق ذاتَه -تبارك وتعالى- نقصٌ ولا شرٌّ؛ فله الكمال المطلق والجلال التام؛ ولذلك لا يجوز إضافة الشر إلى الله مفردًا؛ وإنما يجوز أن يدخل الشر في العموم كقوله تعالى:{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}(الرعد: ١٦) ويجوز أن يضاف إلى السبب كقوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ}(الفلق: ١، ٢) ويجوز أن يذكر بحذف فاعله، كقوله تعالى -فيما حكاه عن الجن-: {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا}(الجن: ١٠).
والحق أن الله تعالى لم يخلق شرًّا محضًا من جميع الوجوه؛ فإن حكمته سبحانه تأبى ذلك؛ فلا يمكن في جانبه تعالى أن يريد شيئًا يكون فسادًا من كل وجه ولا مصلحة في خلقه بوجه ما؛ فإنه تعالى بيده الخير كله والشر ليس إليه، بل كل ما إليه فخير، والشر إنما حصل لعدم النسبة إليه؛ فلو نسب إليه لم يكن شرًّا، وهو من حيث نسبته إلى الله تعالى خلقًا ومشيئة، وليس بشر.
المرض مثلًا شر ومصيبة بالنسبة للإنسان عاجلًا؛ ولكنه خير في الآجل، وخير بالنسبة لله -عز وجل- لما يعلم ما يعقبه من مغفرة الذنوب وتطهير النفوس، وكذلك سجن أعداء الله للمؤمنين شرٌّ في ظاهره لما فيه من الآلام والمحن؛ ولكنه تمحيص