حَدَّثَنَاهُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ السُّوسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ اللَّيْثِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، وَعَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ قَاعِدًا وَحَوْلَهُ نَفَرٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَهُمْ كَثِيرٌ، إِلَى أَنْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا مَثَلُ أَحَدِكُمْ وَمَثَلُ مَالِهِ، وَمَثَلُ أَهْلِهِ وَمَثَلُ عَمَلِهِ، كَرَجُلٍ لَهُ إِخْوَةٌ ثَلَاثَةٌ، فَقَالَ لِأَخِيهِ الَّذِي هُوَ مَالُهُ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، وَنَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ: مَاذَا عِنْدَكَ، فَقَدْ نَزَلَ بِي مَا قَدْ تَرَى؟ فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ الَّذِي هُوَ مَالُهُ: مَا عِنْدِي لَكَ غِنَاءٌ، وَلَا عِنْدِي لَكَ نَفْعٌ إِلَّا مَا دُمْتَ حَيًّا، فَخُذْ مِنِّي الْآنَ مَا أَرَدْتَهُ فَإِنِّي إِذَا فَارَقْتُكَ سَيَذْهَبُ بِي إِلَى مَذْهَبٍ غَيْرِ مَذْهَبِكَ، وَسَيَأْخُذُنِي غَيْرُكَ" فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: «هَذَا أَخُوهُ الَّذِي هُوَ مَالُهُ، فَأَيَّ أَخٍ تَرَوْنَهُ؟» قَالُوا: لَا نَسْمَعُ طَائِلًا يَا رَسُولَ اللَّهِ، " ثُمَّ قَالَ لِأَخِيهِ الَّذِي هُوَ أَهْلُهُ: قَدْ نَزَلَ بِيَ الْمَوْتُ، وَحَضَرَنِي مَا قَدْ تَرَى، فَمَاذَا عِنْدَكَ مِنَ الْغِنَاءِ؟ قَالَ: عِنْدِي أَنْ أُمْرِضَكَ وَأَقُومُ عَلَيْكَ، وَأُعَانِيكَ، فَإِذَا مُتَّ غَسَّلْتُكَ وَحَنَّطْتُكَ وَكَفَّنْتُكَ، ثُمَّ حَمَلْتُكَ فِي الْحَامِلِينَ، وَشَيَّعْتُكَ أَحْمِلُكَ مَرَّةً، وَأُمِيطُ أُخْرَى، ثُمَّ أَرْجِعُ عَنْكَ، فَأُثْنِي بِخَيْرٍ عِنْدَ مَنْ سَأَلَنِي عَنْكَ" فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي هُوَ أَهْلُهُ: «أَيَّ أَخٍ تَرَوْنَهُ؟» قَالُوا: لَا نَسْمَعُ طَائِلًا يَا رَسُولَ اللَّهِ، " ثُمَّ قَالَ لِأَخِيهِ الَّذِي هُوَ عَمَلُهُ: مَاذَا عِنْدَكَ، وَمَاذَا لَدَيْكَ؟ قَالَ: أُشَيِّعُكَ إِلَى قَبْرِكَ، فُأُونِسَ وَحْشَتَكَ، وَأُذْهِبُ هَمَّكَ، وَأُجَادِلُ عَنْكَ، وَأَقْعُدُ فِي كَفَنِكَ، فَأَشُولُ بِخَطَايَاكَ" فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيَّ أَخٍ تَرَوْنَ هَذَا الَّذِي هُوَ عَمَلُهُ؟» قَالُوا: خَيْرَ أَخٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَالْأَمْرُ هَكَذَا» قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ كُرْزٍ اللَّيْثِيُّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَقُولَ عَلَى هَذَا شِعْرًا؟ قَالَ: «نَعَمْ» قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَا بَاتَ إِلَّا لَيْلَتَهُ تِلْكَ حَتَّى غَدَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كُرْزٍ وَاجْتَمَعَ الْمُسْلِمُونَ لِمَا سَمِعُوا مِنْ تَمَثُّلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَوْتَ وَمَا فِيهِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجَاءَ ابْنُ كُرْزٍ فَقَامَ عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِيهِ ابْنَ كُرْزٍ» ، فَقَالَ ابْنُ كُرْزٍ:
[البحر الطويل]
⦗٢٧٨⦘
فَإِنِّي وَمَالِي وَأَهِلِّي وَالَّذِي قَدَّمَتْ ... يَدَايَ كَدَاعٍ إِلَيْهِ صَحْبَهُ ثُمَّ قَائِلِ
لِأَصْحَابِهِ إِذْ هُمْ ثَلَاثَةُ أُخْوَةٍ ... أَعِينُوا عَلَى أَمْرٍ بِيَ الْيَوْمَ نَازِلِ
فِرَاقٌ طَوِيلٌ غَيْرُ ذِي مَثْنَوِيَّةٍ ... فَمَاذَا لَدَيْكُمْ فِي الَّذِي بِي غَائِلِ
فَقَالَ امْرُؤٌ مِنْهُمْ: أَنَا الصَّاحِبُ الَّذِي ... أُطِيعُكَ فِيمَا شِئْتَ قَبْلَ النَّزَائِلِ
فَأَمَّا إِذَا جَدَّ الْفِرَاقُ فَإِنَّنِي ... لِمَا بَيْنَنَا مِنْ خُلَّةٍ غَيْرُ وَاصِلِ
أُبْذَلُ حِينَئِذٍ فَلَا يَسْتَطِيعُنِي ... كَذَلِكَ أَحْيَانًا صُرُوفُ التَّدَاوُلِ
فَخُذْ مَا أَرَدْتَ الْآنَ مِنِّي فَإِنَّنِي ... سَيُسْلَكُ بِي مَهِيلٌ مِنْ مَهَائِلِ
وَإِنْ تُبْقِنِي لَا أَبَقَ فَاسْتَيْقِنَنَّهُ ... تَعَجَّلْ صَلَاحًا قَبْلَ حَتْفٍ مُعَاجِلِ
وَقَالَ امْرُؤٌ: قَدْ كُنْتُ جِدًّا أُحِبُّهُ ... وَأُوثِرُهُ مِنْ بَيْنَهُمْ بِالتَّفَاضُلِ
غِنَايَ أَنِّي جَاهَدٌ لَكَ نَاصِحٌ ... إِذَا جَدَّ جَدُّ الْكَرْبِ غَيْرُ مُقَاتِلِ
وَلَكِنَّنِي بَاكٍ عَلَيْكَ وَمُعْوِلٌ ... وَمُثْنٍ بِخَيْرٍ عِنْدَ مَنْ هُوَ سَائِلِي
وَمُتَّبِعُ الْمَاشِينَ أَمْشِي مُشَيِّعًا ... أُعِينُ بِرِفْقٍ عُقْبَةَ كُلِّ حَامِلِ
إِلَى بَيْتِ مَثْوَاكَ الَّذِي أَنْتَ مُدْخَلٌ ... وَأَرْجِعُ حِينَئِذٍ بِمَا هُوَ شَاغلِي
كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ خُلَّةٌ ... وَلَا حُسْنُ وُدٍّ مَرَّةً فِي التَّبَادُلِ
وَذَلِكَ أَهْلُ الْمَرْءِ ذَاكَ غَنَاؤُهُمْ ... وَلَيْسُوا وَإِنْ كَانُوا حِرَاصًا بِطَائِلِ
وَقَالَ امْرُؤٌ مِنْهُمْ أَنَا الْأَخُ لَا تَرَى ... أَخًا لَكَ مَثَلِي عِنْدَ جَهْدِ الزَّلَازِلِ
لَدَى الْقَبْرِ تَلْقَانِي هُنَالِكَ قَاعِدًا ... أُجَادِلُ عَنْكَ فِي رِجَاعِ التَّجَادُلِ
وَأَقْعُدُ يَوْمَ الْوَزْنِ فِي الْكِفَّةِ الَّتِي ... تَكُونُ عَلَيْهَا جَاهِدٌ فِي التَّثَاقُلِ
فَلَا تَنْسَنِي وَاعْلَمْ مَكَانِي فَإِنَّنِي ... عَلَيْكَ شَفِيقٌ نَاصِحٌ غَيْرُ خَاذِلِ
فَذَلِكَ مَا قَدَّمْتَ مِنْ كُلِّ صَالِحٍ ... تُلَاقِيهِ إِنْ أَحْسَنْتَ يَوْمَ التَّفَاضُلِ
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَا بَقِيَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُو عَيْنٍ تَطْرِفُ إِلَّا دَمَعَتْ، قَالَتْ: ثُمَّ كَانَ ابْنُ كُرْزٍ يَمُرُّ عَلَى مَجَالِسِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَسْتَنْشِدُونَهُ فَيُنْشِدُهُمْ، فَلَا يَبْقَى مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ أَحَدٌ إِلَّا بَكَى"