أمهلني ساعة، قال أمهلتك إلى أن تقوم الساعة، وقال له يوماً: أجيئك من الرجل فتجيئني من الرأس، فقال: هكذا عادة البقر إذا حفيت أظلافها دهنت قرونها.
واجتمعوا يوماً في مجلس الوزير ابن الجراح فتناظرا في الإيلاء، فقال ابن سريج أنت بقولك: من كثرت لحظاته دامت حسراته – أبصر منك بالكلام في الإيلاء، فقال له أبو بكر: لأن قلت ذلك فإني أقول: (طويل)
أنزه في روض المحاسن مقلتي ... وأمنع نفسي أن تنال محرما
وأحمل من ثِقل الهوى ما لو أنه ... يُصب على الصخر الأصم تهدما
وينطق طرفي عن مترجم خاطري ... فلولا اختلاسي رده لتكلما
رأيت الهوى دعوى من الناس كلهم ... فما أن أرى حباً صحيحاً مسلما
فقال له ابن سريج: ولِمَ تفخر عليَّ، ولو شئت أنا أيضاً لقلت:(كامل)
ومسامر بالغنج من لحظاته ... قد بت أمنعه لذيذ سناته
صبا بحسن حديثه وعتابه ... وأكرر الألحاظ في وجناته
حتى إذا ما الصبح لاح عمودُه ... ولى بخاتم ربه وبراته
فقال أبو بكر: يحفظ الوزير هذا عليه حتى يقيم شاهدي عدل أنه ولى بخاتم ربه وبراءته، فقال أبو العباس: يلزمني في ذلك ما يلزمك في قولك:
أنزه في روض المحاسن مقلتي ... وأمنع نفسي أن تنال محرما
فضحك الوزير وقال: لقد جمعتما ظرفاً ولُطفاً، وعلماً وفهماً.