وتوفي أبو بكر هذا رحمه الله تعالى في سنة سبع وتسعين ومائتين، وعمره اثنان وأربعون سنة.
ولما بلغت وفاته ابن سريج كان يكتب في كرَّاس فرمى بيده وقال: مات من كنت أتعب نفسي وأجهدها في الاشتغال بمناظرته ومقاومته ولما مات أبو أبي بكر: داود بن علي الأصبهاني رحمه الله تعالى، وجلس في حلقته ولده أبو بكر هذا، وكان على مذهب أبيه، استصغره أصحاب أبيه، فدسوا إليه من يسأله عن حد السكر، ومتى يكون الإنسان سكراناً، فقال إذا غربت عنه الهموم، وباح بسره المكتوم، واختلَّ كلامُهُ المنظوم ومشيه المعلوم. فعلموا موضعه من العلم واستحسنوا ذلك منه.
وكان داود بن علي فيما ذكره القاضي ابن خلكان من العلم والدين والزهد والورع بمكان. ذكر أنه كان يحضر مجلسه أربعمائة صاحب طيلسان أخضر، وذكر ابن سيد الناس أن البرذعي سار إلى الحج، فلما وصل إلى بغداد وجد داود الظاهري في مجلسه، وهو يقول أجمعنا على أن بيع أم الولد قبل حملها جائز، فكذلك بعد وضعها أخذاً بالاستصحاب.
فقال له البرذعي: أجمعنا على أن بيعها حالة العلوق لا يجوز، فكذلك بعده، أخذاً بالاستصحاب، فانقطع. قال فخرجت وأنا أستخير الله تعالى لتعليم العلم، وتركت الحج لغلبة مذهب داود على غيره، فرأيت في المنام في تلك الليلة قارئاً يقرأ قوله تعالى:(فأما الزبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) فلما استيقظت، فإذا بصارخ: ألا إن داود الظاهري قد مات، فجلست للناس وتركت الحج.