للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وينبغي معرفة أن مقام الأنبياء مقام رفيع عظيم، وما وقعوا فيه قد يكون في حق غيرهم ليست من الذنوب (١) لكن لرفعة مقامهم، قد يعاتبون، ومع ذلك فإن الله يوفقهم إلى التوبة، بل ما ذكر الله ذنبًا لنبي (إلا مقرونًا بالتوبة والاستغفار، كقول آدم وزوجته: ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف: ٢٣]، وقول نوح: ﴿رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [هود: ٤٧] .. ) (٢).

الطائفة الثانية: نفاة الحكم والأسباب في أفعاله، فيجوز عندهم أن يفعل الله كل ممكن ولا ينزه عن فعل من الأفعال، فأفعاله كلها متعلقة بمحض المشيئة، وهؤلاء هم الجهمية ومن تبعهم كالأشعري ومن وافقه من أهل الكلام (٣).

ورتبوا على هذا الأصل ما يلي:

(١) جواز أن يبعث الله كل مكلف، ولو كان كافرًا فاسقًا، فهو يفعل ما يشاء لا لحكمة.

(٢) والنبوة عندهم ليست صفة ثبوتية، ولا مستلزمة لصفة يختص بها، فهي من الصفات الإضافية، فتكون مجرد إعلام من الله بما أوحاه إليه، فهي مثل الأحكام الشرعية، التي لا تدل على صفة في الفعل، والفعل الحسن حسنه لكونه مقولًا فيه: افعل، والقبيح عكسه، لا لصفة هي منشأ الحسن والقبح في الفعل.

(٣) ثم بعد البعثة ذكروا أن ما يدل العقل على امتناعه على الأنبياء هو في التبليغ خاصة، لأن صدق التبليغ هو مدلول المعجزة، وما سوى ذلك فلا يدل عليه


(١) انظر: منهاج السنة النبوية لابن تيمية (٢/ ٤٢١).
(٢) مجموع فتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (١٠/ ٢٩٦).
(٣) انظر: منهاج السنة (٢/ ٤١٤ - ٤١٥).

<<  <   >  >>