للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا يمكن وقوع خلافه، ثمَّ أدخل آدم عليه السلام الجنَّة بعد هذا، فإنَّ الأمرَ بالسجود كان عقيب خلقه من غير فصل، فلو كانت الجنَّة (١) فوق السماوات لم يكن لإبليس سبيلٌ إلى صعودِه إليها، وقد أُهبِطَ منها.

وأمَّا تلك التقادير التي قدَّرتموها فتكلُّفات ظاهرة:

كقول من قال: يجوز أنْ يصعد إليها صعودًا عارضًا لا مستقرًّا.

وقول من قال: أدْخَلَتْه الحيَّة.

وقول من قال: دخل في أجوافهما (٢) .

وقول من قال: يجوزُ أن تصل وسوسته إليهما وهو في الأرضِ، وهما فوق السَّماء.

ولا يخفى ما في ذلك من التعسف الشَّديد، والتكلف البعيد، وهذا بخلاف قولنا، فإنَّه لما أهبطه سبحانه من ملكوت السماء حيث لم يسجد لآدم عليه السلام أُشْرِبَ عداوته، فلمَّا أسكنه جنته حسده عدوه، وسعى بكيدِهِ وغروره في إخراجه منها، واللَّهُ أعلم.

قالوا: وممَّا يدلُّ على أنَّ جنَّة آدم لم تكن جنة الخلدِ التي وُعِدَ المتقون: أنَّ اللَّهَ سبحانه لما خلقه أعلمه أنَّ لِعُمُرِهِ أجلًا ينتهي إليه، وأنَّه لم يخلقه للبقاءِ، كما روى الترمذي في "جامعه" من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لما خَلَقَ اللَّهُ


(١) في "أ، ج": "الحيَّة" وهو خطأ، وصوب ناسخ "أ" أنها "الجنة".
(٢) في "ب": و"أجوافها".