للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الباب الخامس في جواب أرباب هذا القول لأصحاب القول الأوَّل

قالوا: أمَّا قولكم: إنّ قولنا هو الَّذي فطر اللَّهُ عليه عباده بحيث لا يعرفون سِوَاهُ، فالمسألةُ سمعية لا تُعْرَفُ إلَّا بأخبار الرسل، ونحن وأنتم إنَّما تلقينا هذا من القرآن، لا من المعقول ولا من الفطرة، فالمتَّبع فيه ما دلَّ عليه كتابُ اللَّهِ تعالى وسنَّة رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، ونحن نطالبكم بصاحبٍ واحدِ، أو تابعٍ أو أثرٍ صحيحٍ أو حسن، يصرِّح بأنها جنَّةُ الخلد التي أعدَّها اللَّهُ للمؤمنين بعَيْنِهَا، ولن تجدوا إلى ذلك سبيلًا، وقد أوجدناكم من كلام السلف ما يدل على خلافه، ولكن لمَّا وردت الجنَّة مُطْلقةً في هذه القِصَّة، وافقت اسم الجنَّة التي أعدَّها اللَّهُ لعباده في إطلاقها، وبعض أوصافها، فذهب كثيرٌ من الأوهام إلى أنَّها هي بعينها، فإنْ أردتم بالفطرة هذا القدر لم يُفِدْكم شيئًا، وإنْ أردتم أنَّ اللَّهَ فطر الخلق على ذلك كما فطرهم على حُسْن العدل وقبح الظلم، وغير ذلك من الأمور الفِطْرية فدعوى باطلة، ونحن إذا رجعنا [٢٦/ ب] إلى فطرنا لم نجد علمها بذلك، كعلمها (١) بوجوب الواجبات، واستحالة المستحيلات.

وأمَّا استدلالكم بحديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، وقول آدم: "وهل أخرجكم منها إلَّا خطيئة أبيكم؟ " (٢) فإنَّما يدلُّ على تأخُّر آدم


(١) في "ب": "لم نجد علمنا بذلك كعلمنا".
(٢) أخرجه مسلم رقم (١٩٥)، من حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه.