للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الباب الأوَّل: في بيانِ وجودِ الجنَّة الآن

لم يزل أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، والتابعون، وتابعوهم، وأهل السنَّة والحديث قاطبة، وفقهاء الإسلام، وأهل التصوف والزهدِ على اعتقاد ذلك وإثباته؛ مستندين في ذلك إلى نصوص الكتابِ والسنَّة، وما عُلِمَ بالضرورة من أخبار الرُّسل كلهم من أوَّلهم إلى آخرهم، فإنَّهم دعوا الأمم إليها، وأخبروا بها. إلى أنْ نبغت نابغة من القدرية (١) والمعتزلة (٢) فأنكرت أنْ تكون الآن مخلوقة، وقالت: بل اللَّهُ ينشئها يومَ المعاد.

وحَمَلَهم على ذلك أصلهم الفاسد الَّذي وضعوا به شريعةً لِمَا (٣) يفعله اللَّه تعالى، وأنَّه ينبغي له أنْ يفعلَ كذا، ولا ينبغي له أنْ يفعل كذا، وقاسوه على خلقه في أفعاله (٤)، فهم مُشبِّهة في الأفعالِ، ودخل التجهُّم فيهم، فصاروا مع ذلك معطلة في الصفات. وقالوا: خَلْقُ الجنَّة قبل الجزاءِ عبث، فإنَّها تصير معطلة مُدَدًا متطاولة ليس فيها سكانها.


(١) هم منكروا القَدَر.
(٢) فرقةٌ ظهرت في عهد الحسن البصري، ثمَّ تطورت عقائدهم.
(٣) في "د": "فيما".
(٤) كذا في جميع النسخ، وجاء في "هـ" "أفعالهم" لكن ضرب عليها النَّاسخ وأثبت "أفعاله".