للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أسمعه كلامه، وعلم من (١) اللَّهِ جوازَ رؤيته من وقوع خطابه وتكليمه، فلم يخبره باستحالة ذلك عليه، ولكنْ أراهُ أن ما سأله لا يقدر على احتماله، كما لم يثبت الجبل لتجليه.

وأمَّا قوله تعالى: {لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: ١٤٣] فإنَّما يدلُّ على النَّفي في المستقبل، ولا يدلُّ على دوام النَّفي؛ ولو قُيِّدت بالتأبيد، فكيف إذا أُطلقت، قال تعالى: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا} [البقرة: ٩٥] مع قوله: {وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف: ٧٧].

[فصل]

الدليلُ الثاني: قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ} [البقرة: ٢٢٣]، وقوله تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ} [الأحزاب: ٤٤] وقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ} [الكهف: ١١٠]، وقوله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ} [البقرة: ٢٤٩].

وأجمع أهل اللسان على أنَّ اللقاء متى نُسِبَ إلى الحي السليم من العَمَى والمانع؛ اقتضى المعاينة والرؤية، ولا ينتقض هذا بقوله تعالى: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ} [التوبة: ٧٧]: فقد دلَّت الأحاديث الصحيحة الصريحة على أنَّ المنافقين يرونه تعالى في عَرَصَات القيامة، بل والكفار أيضًا كما في "الصحيحين" في حديث التجلي يوم القيامة، وسيمرُّ بِكَ عن قريبٍ إن شاء اللَّه (٢).


(١) في "هـ": "نبي".
(٢) انظر: (ص/ ٦٢٩، ٦٣٢، ٦٤٥، ٦٦٠، ٦٦١).