للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رؤيته في هذه الدار لِضَعْفِ قوى البشرِ فيها عن رؤيته تعالى، يوضِّحه:

الوجه الرَّابع: وهو قوله تعالى: {وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} [الأعراف: ١٤٣] فأعْلَمَه أنَ الجبل مع قوَّته وصلابته لا يثبتُ لتجليه له في هذه الدَّار، فكيف بالبشر الضعيف الَّذي خُلِق من ضعْفٍ؟.

الوجه الخامس: أنَّ اللَّهَ سبحانه قادرٌ على أنْ يجعل الجبل مستقرًّا مكانَه، وليس هذا بممتنع في مقدوره، بل هو ممكن، وقد علق به الرؤية، ولو كانت محالًا في ذاتها لم يعلقها بالممكن في ذاته، ولو كانت الرؤية محالًا، لكان ذلك نظير أنْ يقول: إن استقرَّ الجبل فسوفَ آكلُ وأشربُ وأنامُ، فالأمرانِ عندكم سواء.

الوجه السادس: قوله تعالى: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} وهذا من أبين الأدلة على جوازِ رؤيته تبارك وتعالى، فإنَّه إذا جازَ أن يتجلَّى للجبلِ الَّذي هو جماد لا ثواب له ولا عقاب، فكيف يمتنع أن يتجلَّى لأنبيائه ورسله وأوليائه في دار كرامته ويريهم نفسه؟ وأعلم سبحانه موسى أنَّ الجبل إذا لم يثبت لرؤيته في هذه الدَّارِ، فالبَشَر أضعف.

الوجه السابع: أنَّ ربه سبحانه قد كلَّمه منه إليه، وخاطبه وناداهُ وناجاهُ، ومن جازَ عليه التَّكلمُ والتكليم، وأنْ يسمع مخاطبه كلامه معه بغير واسطة، فرؤيته أولى بالجواز، ولهذا لا يتم إنكار الرؤية إِلَّا بإنكار التكليم، وقد جمعت هذه الطوائف بين إنكار الأمرين، فأنكروا أنْ يكلِّم أحدًا، أو يراهُ أحدٌ، ولهذا سأله موسى النظر إليه لمَّا