للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وغير ممتنع أن يكون فيها منْ يعمل بأمر اللَّهِ ويعبد اللَّه قبل يوم القيامة، بل هذا هو الواقع (١) ، فإنَّ مَنْ فيها الآن مُؤْتَمَرُون بأوامر مِنْ قِبل ربَّهم لا يتعدُّونها سواء سُمِّيَ ذلك تكليفًا أو لم يُسَمَّ.

الوجه الثاني: أنَّ التكليف فيها لم يكن بالأعمالِ التي يكلَّف بها النَّاس في الدنيا: من الصيام والصلاة والجهاد ونحوها، وإنَّما كان حَجْرًا عليهما في شجرةٍ واحدةٍ من جملة أشجارها، إمَّا واحدة بالعَيْن أو بالنَّوع، وهذا القدرُ لا يمتنع وقوعه في دار الخلد، كما أنَّ كلَّ أَحَدٍ محجورٍ عليه أنْ يَقْرَبَ أهل غيرِهِ فيها، فإنْ أردْتُم بكونها ليست دار تكليفٍ امتناع وقوع مثل هذا فيها في وقت من الأوقات، فلا دليلَ عليه، وإنْ أردتم أنَّ تكاليف الدنيا منتفيةٌ عنها، فهو حقٌّ، ولكن لا يدل على مطلوبكم.

وأمَّا استدلالكم بنوم آدم فيها، والجنَّة لا ينامُ أهلها.

فهذا إنْ ثبتَ النَّقْلُ بنَوْمِ آدم، فإنَّما ينفي النوم عن أهلها يوم دخول الخلود، حيث لا يموتون، وأمَّا قبل ذلك فلا.

وأمَّا استدلالكم بقصة وسْوَسَة إبليس له بعد إهباطه، وإخراجه من السَّماء. فَلَعْمرُ اللَّهِ إنَّه لَمِنْ أقْوَى الأدلة، وأظهرها على صحة قولكم، وتلك التَّعسُّفاتِ كدخوله (٢) الجنَّة، وصعوده إلى السَّماءِ بعد إهباط اللَّه له منها (٣) لا يرتضيها مُنْصِف؛ ولكن لا يمتنع أن يصعد إلى هناكَ


(١) في "أ، ج، د، هـ": "الواضح".
(٢) في "ب، ج، د": "لدخوله".
(٣) قوله: "بعد إهباط اللَّهِ له منها" سقط من "أ".