للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذه الألفاظ لا تعارض بينها بوجه.

وقد أخرجا في "الصحيحين" (١) من حديث أنس قال: لم يشهد عَمِّي مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بدرًا، قال: فشقَّ عليه، قال: أوَّلُ مشهدٍ شهده رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- غبتُ عنه، فإنْ أراني اللَّهُ مشهدًا فيما بعدُ مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ليرينَّ اللَّه ما أصنعُ، قال: فهابَ أنْ يقول غيرها، قال: فشهد مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يومَ أحد، قال فاستقبل سعد بن معاذ فقال له: أين؟ فقال: واهًا لريح الجنَّة أجده دون أُحد، قال: فقاتلهم حتى قُتِلَ، قال: فوجد في جسده بضع وثمانون من بين ضربة وطعنة ورمية، فقالت أخته عمَّة الرُّبَيِّع بنتُ النضر: فما عرفتُ أخي إلَّا ببَنَانه، ونزلت هذه الآية: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: ٢٣]. قالوا: فكانوا يرون أنَّها نزلت فيه وفي أصحابه.

وريح الجنَّة نوعان: ريحٌ يوجد في الدنيا تشمُّه الأرواح أحيانًا ولا تدركه العبارة، وريح يُدرك بحاسة الشمِّ للأبدان، كما تشم روائح الأزهار وغيرها، وهذا يشترك أهل الجنَّة في إدراكه في الآخرة من قرب وبُعد، وأمَّا في الدنيا فقد يدركه من شاء اللَّهُ من أنبيائه ورسله، وهذا الَّذي وجدهُ أنس بن النضر يجوز أنْ يكون من هذا القسم، وأنْ يكون


= أخرجه أحمد (٥/ ٥٠ و ٥١)، وفي سنده ضعف.
والحديث ثابتٌ عن أبي بكرة، لكن رواية "حرَّم اللَّهُ عليه الجنَّة" أقوى وأصحّ إسنادًا ممَّن روى "مئة عام" أو "خمس مئة عام" واللَّه أعلم.
(١) أخرجه البخاري رقم (٢٦٥١)، ومسلم رقم (١٩٠٣).