للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِخَيْلٍ (١) عليها جِنَّةٌ عبقريةٌ ... جَدِيرون يومًا أنْ ينالوا فيستعلوا (٢)

قال أبو الحسن الواحدي: "وهذا القول هو الصحيح في العبقري، وذلك أنَّ العربَ إذا بالغتْ في وصف شيءٍ نَسَبتْهُ إلى الجنِّ، أو شَبَّهته بهم، ومنه قول لَبِيْدٍ:

جِنُّ البَديِّ رواسيًا أقدامُها (٣)

وقال آخر يَصِفُ امرأةً:

جنِّيةٌ ولها جِنٌّ يُعلِّمُها ... رَمْيَ القُلوبِ بِقَوْسٍ ما لها وَتَر (٤)

وذلك أنَّهم يعتقدون في الجن كل صفة عجيبة، وأنَّهم يأتون بكلِّ أمرٍ عجيبٍ، ولمَّا كان عبقر معروفًا بسكناهم نسبوا كلِّ شيءٍ مبالغٍ فيه إليها، يريدون بذلك أنَّه من عملهم وصنعهم. هذا هو الأصل، ثمَّ صار العبقري اسمًا ونعتًا لكلِّ ما بُولِغَ في صفته، ويشهد لما ذكرنا بيت زهير، فإنَّه نسب الجن إلى عبقر، ثمَّ رأينا أشياء كثيرة نُسِبَت إلى عبقرٍ غير البسط والثياب: كقوله في صفة عمر "عَبْقَرِيًّا" (٥) ، وروى سلمة عن الفرَّاء قال: العبقري: السَّيِّد من الرجال، وهو الفاخر من الحيوان


(١) في "أ، ب، ج، د": "نخيل"، والمثبت من "هـ"، وديوان زهير وغيره.
(٢) انظر: غريب الحديث لأبي عبيد (١/ ٨٧ - ٨٨)، والبيت في ديوان زهير ص (٥٢).
(٣) انظر: ديوانه ص (١٧٧)، وصدر البيت: غلب تشذَّر بالدُّخول كأنَّها.
(٤) انظر: "الحماسة البصرية" للبصري ص (٨٧٩) وهو منسوب لمحمد بن بشير الخارجي، وقيل: لأبي دهبل الجمحي.
(٥) تقدم ص (٤٤٨).