للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وإنَّما يظهرُ الغَبْنُ الفاحشُ في هذا البيعِ يومَ القيامة، وإنَّما يتبينُ سَفَهُ بائِعِهِ يوم الحسرةِ والندامة، إذا حُشِرَ المتقون إلى الرحمن وفدًا، وسيقَ المجرمون إلى جهنَّم وِرْدًا، ونادى المُنادي على رؤوس الأشهاد، ليعلمنَّ أهلُ الموقفِ من أولى بالكرمِ من بين العبادِ، فلو توهم المتخلف عن هذه الرفقة ما أُعِدَّ لهم من الإكرام، وادُّخرَ لهم من الفضل والإنعام، وما أُخْفِيَ لهم من قُرَّة أعين، لم يقعْ على مثلها بصر، ولا سمعته أذن، ولا خطرَ على قلب بشر = لَعَلِمَ أيَّ بضاعة أضاع، وأنَّه لا خيرَ له في حياته، وهو معدودٌ من سَقَطِ المتاعِ، وعلمَ أنَّ القومَ قد توسَّطوا مُلْكًا كبيرًا، لا تعتريه الآفات، ولا يلحَقه الزوال، وفازوا بالنَّعيمِ المُقيمِ في جوار الكبير المُتَعَالِ.

فهُمْ في روضاتِ الجنَّات يتقلبون، وعلى أَسِرَّتهَا تحت الحِجَالِ يجلسون، وعلى الفُرشِ -التي بطائنها من استبرقٍ- يتَّكئون، وبالحور العين يتمتعون، وبأنواع الثمار يتفكهون، {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (١٧) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (١٨) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (١٩) وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (٢٠) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢١) وَحُورٌ عِينٌ (٢٢) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (٢٣) جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤) } [الواقعة: ١٧ - ٢٤]، {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ (١) الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزخرف: ٧١]. تاللهِ، لقد نُوديَ عليها في سوقِ الكَسادِ، فما قلَّبَ ولا


(١) كذا في جميع النسخ، وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وخلف ويعقوب وحمزة والكسائي، وقرأ باقي العشرة "تشتهيه".
انظر "النشر في القراءات العشر" لابن الجزري ص (٢٧٦).