للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بصرفهما إلى النار، فأما أحدهما فيغدو في أغلاله وسلاسله حتى يقتحمها. وأما الآخر فيتلكأ فيأمر بردهما، فيقول للذي غدا في أغلاله وسلاسله حتى اقتحمها: ما حملك على ما صنعت وقد جربتها؟ فيقول: إني خبرت (١) من وبال معصيتك ما لم أكن أتعرض لسخطك ثانيًا، ويقول للذي تلكأ: ما حملك على ما صنعت؟ فيقول: حسن ظني بك حين أخرجتني منها أن لا تردني إليها، فيرحمهما جميعًا، ويأمر بهما إلى الجنة" (٢) .

الوجه الثاني عشر: أن النعيم والثواب من مقتضى رحمته ومغفرته وبره وكرمه، ولذلك يضيف ذلك إلى نفسه، وأما العذاب والعقوبة، فإنما هو من مخلوقاته، ولذلك لا يُسمَّى (٣) بالمُعاقِبُ والمعذِّب، بل يفرق بينهما، فيجعل ذلك من أوصافه وهذا من مفعولاته حتى في الآية الواحدة، كقوله تعالى: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (٥٠) } [الحجر: ٤٩ - ٥٠]. وقال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩٨) } [المائدة: ٩٨] وقال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٦٧) } [الأعراف: ١٦٧]، ومثلها في آخر الأنعام (٤) ، فما كان من مقتضى أسمائه وصفاته، فإنَّه يدوم بدوامها [٢٢٥/ ب]، ولا سيما إذا كان محبوبًا له،


(١) في "أ": "خيِّرت"، وفي "د": "جبرت"، وفي الحلية "قد ذقت".
(٢) أخرجه أبو نعيم في الحلية (٥/ ٢٦٦)، وسنده ضعيف.
(٣) في "ب، هـ": "يتسمَّى".
(٤) (آية: ١٢٨).