في كلامه، ومعزَّزة بالمثال كما هو الحال عنده في أنواع الاختلاف.
وقد ذكر مثل هذا التفصيل في كتابه منهاج السنة، فقال: «والمراسيل قد تنازع الناس في قبولها وردها، وحسب الأقوال أن منها المقبول ومنها المردود الموقوف، فمن عُلِمَ من حاله أنه لا يرسل إلا عن ثقة قُبِلَ مرسلُه، ومن عُرِفَ أنه يرسل عن ثقة وغير الثقة كان إرساله رواية عمن لا يعرف حاله، فهذا موقوف.
وما كان من المراسيل مخالفًا لما رواه الثقات كان مردودًا.
وإذا جاء المرسل من وجهين = كلٌّ من الراويين أخذ العلم عن شيوخ الآخر فهذا مما يدل على صدقه؛ فإن مثل ذلك لا يتصور في العادة تماثل الخطأ فيه وتعمد الكذب = كان هذا مما يعلم أنه صدق.
فإن المخبر إنما يؤتى من جهة تعمد الكذب ومن جهة الخطأ، فإذا كانت القصة مما يعلم أنه لم يتواطأ فيه المخبران، والعادة تمنع تماثلهما في الكذب عمدًا والخطأ؛ مثل أن تكون القصة طويلة فيها أقوال كثيرة رواها هذا مثل ما رواها هذا؛ فهذا يعلم أنه صدق.
وهذا ما يعلم به صدق محمد صلّى الله عليه وسلّم وموسى عليه السلام، فإن كلاً منهما أخبر عن الله وملائكته وخلقه للعالم وقصة آدم ويوسف وغيرهما من قصص الأنبياء عليهما السلام بمثل ما أخبر به الآخر مع العلم بأنَّ واحدًا منهما لم يستفد ذلك من الآخر، وأنه يمتنع في العادة تماثل الخبرين الباطلين في مثل ذلك، فإن من أخبر بأخبار كثيرة مفصلة دقيقة عن مخبر معين لو كان مبطلاً في خبره لاختلف خبره لامتناع أن مبطلاً يختلق ذلك من غير تفاوت، لا سيما في أمور لا تهتدي العقول إليها، بل ذلك يبين أن كلا منهما أَخبر بعلمٍ وصدقٍ.
وهذا مما يعلمه الناس من أحوالهم، فلو جاء رجل من بلد إلى آخر وأخبر عن حوادث مفصلة حدثت فيه تنتظم أقوالاً وأفعالاً مختلفة، وجاء من