للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيقولون: الفاسق في منْزلة بين المنْزلتين، ومآله إلى النار، ومن أمثلة ذلك ما ورد في قوله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} [آل عمران: ١٠٦]، قال الرماني (ت:٣٨٤): «ويقال: إذا كان الذين اسودت وجوههم كفارًا، والذين ابيضت وجوههم مؤمنين؛ لأنهم في رحمة الله خالدين فيها، فما تنكر على ذلك ألا يصحَّ المنْزلة بين المنْزلتين؟

الجواب: لا يجب ذلك من قِبَلِ أن الفاسق يخرج عن هاتين الحالتين إلى حال الغُبرة أو نحوها من الألوان التسعة في المنظر، أو يكون ممن يسود وجهه ويدخل في الكفار على التغليب لأعظم الصفتين كما يُغلَّب المذكَّر على المؤنث، وليس في ذكر اليوم بأنه يسود فيه وجوه ويبيض فيه وجوه ما يدلُّ على أنه لا تغبَّرُّ فيه وجوه كما أنه ليس في ... (١) يعفو فيه السلطان عن قوم ويعاقب قومًا ما يدل على أنه ليس هناك من لا يستحقُّ واحدًا من الأمرين» (٢).


(١) في المخطوط كلام لم أتبيَّنه، وسيأتي ما يوضِّح معناه عند نقل كلام الطوسي على هذه الآية.
(٢) تفسير الرماني، وقد نقل الطوسي في تفسيره (٢:٥٥١ ـ ٥٥٢) كلام الرماني هذا فقال: «فإن قيل: إذا كان الذين اسودت وجوههم كفارًا، والذين ابيضت وجوههم مؤمنين، فهلاَّ دل على أنه لا واسطة بين الكفر والإيمان من الفسق؟
قلنا: لا يجب ذلك؛ لأن ذكر اسوداد الوجوه وابيضاضها لا يمنع أن يكون هناك وجوه أخر مغبرة أو نحوها من الألوان، أو يكونوا أدخلوا في جملة الذين اسودت وجوههم على التغليب لأعظم الصفتين كما يغلب المذكر على المؤنث. وليس ذكر اليوم بأنه تسود فيه وجوه وتبيض فيه وجوه بمانع من أن يكون فيه وجوه عليها الغبرة، كما أن القائل إذا قال: هذا يوم يعفو فيه السلطان عن قوم ويعاقب فيه قومًا = لا يدلُّ على أن ليس هناك من لا يستحق واحدًا من الأمرين، على أن الآية تدل على أن الذين اسودت وجوههم هم المرتدون؛ لأنه قال: {أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}، وليس كل الكفار هذه صورتهم جاز لنا إثبات فاسقين مثل ذلك ...».

<<  <   >  >>