الأمور الواجبات، لأن الأمر بها جازم فيتضمن أمرين: الثواب على فعلها، والعقاب على تركها، بخلاف النفل، فلذا كان الفرض أكمل وأحب إلى الله وأشدّ تقرّباً.
وروي أن ثواب الفرض يفضل ثواب النفل بسبعين درجة؛ وبالجملة فالفرض كالأس والنفل كالبناء على ذلك الأس، (وما يزال عبدي) إضافته لما تقدم (يتقرّب) وفي رواية: «يتحبب»(إليّ بالنوافل) أي: بالتطوعات من جميع أصناف العبادات ظاهرها كقراءة القرآن إذ هو من أعظم ما يتقرب به، وكالذكر وكفى في شرفه قوله تعالى:( {فاذكروني أذكركم} )(البقرة: ١٥٢) وباطنها كالزهد والورع والتوكل والرضا وغير ذلك من سائر أحوال العارفين سيما محبة أولياء الله تعالى وأحبائه فيه ومعاداة أعدائه فيه (حتى أحبه) بضم أوله والفعل منصوب. ومحبة الله تعالى للعبد كما تقدم توفيقه لما يرضيه عنه، وإثابته ومعاملته بالإحسان، فعلم أن إدامة النوافل بعد أداء الفرائض، إذ من غير أدائها لا يعتد بالنوافل كما يشير إليه تأخير هذه وتقديم تلك، تفضي إلى محبة الله تعالى للعبد وصيرورته من جملة أوليائه الذين يحبهم ويحبونه. ويؤخذ من سياق الحديث أن الوليّ إما أن يتقرّب بالفرائض بأن لا يترك واجباً ولا يفعل محرماً أو بها مع النوافل وهذا أكمل وأفضل. ولذا خص بالمحبة السابقة والصيرورة الآتية، وأنه لا سبيل إلى ولاية الله تعالى ومحبته سوى طاعته التي جاء بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما سواها باطل (فإذا أحببته كنت) أي صرت حينئذٍ (سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر) بضم أوله وكسر ثالثه (به، ويده التي يبطش) بفتح أوله وكسر ثالثه أو ضمه (بها ورجله التي يمشي بها) .
قال بعض المحققين: التحقيق أن هذه الصيرورة مجاز أو كناية عن نصرة الله تعالى لعبده المتقرّب إليه بما ذكر، وتأييده وإعانته له وتوليه في جميع أموره، حتى كأنه تعالى نزّل نفسه من عبده منزلة الآلات والجوارح التي بها يدرك ويستعين، ولذا جاء في رواية أخرى «فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي» أي أنا الذي أقدرته على هذه الأفعال وخلقتها فيه فأنا الفاعل لذلك لا أنه يخلق أفعال نفسه: أي سواء الجزئيات والكليات، وهذا يردّ على المعتزلة في زعمهم أن العبد يخلق أفعاله الجزئيات.
وزعم الحلولية والاتحادية بقاء هذا الكلام على حقيقته وأنه تعالى عين عبده أو حالّ فيه ضلال وكفر إجماعاً، وما وقع في عبارات بعض العارفين مما يوهم ذلك فليس مراداً لهم،