للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والظن بالحاكم غير هذا، فإنه كان عالمًا بهذا الفن، خبيرًا بغوامضه، عارفًا بأسراره، وما قال هذا القول وحكم على الكتابين بهذا الحكم إلا بعد التفتيش والاختبار والتيقن لما حكم به عليهما.

ثم غاية ما يدعيه هذا القائل، أنه تتبع الأحاديث التي في الكتابين، فوجد فيهما أحاديث لم ترد على الشرط الذي ذكره الحاكم، وهذا منتهى ما يمكنه أن ينقض به، وليس ذلك ناقضًا، ولا يصلح أن يكون دافعًا لقول الحاكم، فإن الحاكم مثبت، وهذا ناف، والمثبت يقدم على النافي، وكيف يجوز له أن يقضي بانتفاء هذا الحكم بكونه لم يجده، ولعل

غيره قد وجده ولم يبلغه وبلغ سواه؟ وحسن الظن بالعلماء أحسن، والتوصل في تصديق أقوالهم أولى، على أن قول الحاكم له تأويلان:

أحدهما: أن يكون الحديث قد رواه عن الصحابي المشهور بالرواية راويان، ورواه عن ذينك الراويين أربعة، عن كل راو راويان، وكذلك إلى البخاري ومسلم.

التأويل الثاني: أن يكون للصحابي راويان ويروي الحديث عنه أحدهما، ثم يكون لهذا الراوي راويان، ويروي الحديث عنه أحدهما، وكذلك لكل واحد ممن يروي ذلك الحديث راويان، فيكون الغرض من هذا الشرط تزكية الرواة، واشتهار ذلك الحديث بصدوره عن قوم مشهورين بالحديث." (١)


(١) ابن الأثير، جامع الأصول، ١/ ١٦٢ - ١٦٣. تعقّب الحافظ ابن حجر ما ذكره الحاكم - من أقسام الصحيح في كتاب المدخل إلى الإكليل- وذكر ما يُنتقض به عليه في كل قسم فقال في النكت: "ولولا أن جماعة من المصنفين كالمجد بن الأثير في مقدمة جامع الأصول تلقوا كلامه فيها بالقبول، لقلة اهتمامهم بمعرفة هذا الشأن واسترواحهم إلى تقليد المتقدم دون البحث والنظر؛ لأعرضت عن تعقب كلامه في هذا؛ فإن حكايته خاصة تغني اللبيب الحاذق عن التعقب." ابن حجر، النكت، ١/ ٣٦٧.
وجاء عن ابن حجر أيضاً استغرابه مما اُشتهر عن شرط الشيخين فقال في الفتح: "قال الكرماني: قالوا لم يرو عن المسيب بن حزن -وهو وأبوه صحابيان- إلا ابنه سعيد بن المسيب، وهذا خلاف المشهور من شرط البخاري أنه لم يرو عن واحد ليس له إلا راو واحد.
قلت- أي ابن حجر-: وهذا المشهور راجع إلى غرابته، وذلك أنه لم يدّعه إلا الحاكم ومن تلقى كلامه، وأما المحققون فلم يلتزموا ذلك، وحجتهم أن ذلك لم ينقل عن البخاري صريحا، وقد وجد عمله على خلافه في عدة مواضع منها: "هذا فلان يعتد به" وقد قررت ذلك في "النكت على علوم الحديث".
وعلى تقدير تسليم الشرط المذكور، فالجواب عن هذا الموضع أن الشرط المذكور إنما هو في غير الصحابة، وأما الصحابة فكلهم عدول فلا يقال في واحد منهم بعد أن ثبتت صحبته مجهول، وإن وقع ذلك في كلام بعضهم فهو مرجوح، ويحتاج من ادعى الشرط في بقية المواضع إلى الأجوبة". ابن حجر، فتح الباري، ١٠/ ٥٧٥.

<<  <   >  >>