للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولعل أبا حاتم والبرديجي إنما أنكرا الحديث؛ لأن عمرو بن عاصم ليس هو عندهما في محل من يحتمل تفرده بمثل هذا الإسناد، والله أعلم. (١)

إن ما نُقِل عن البرديجي في تعريفه المنكر ليس فيه تقييد الراوي المتفرّد بكونه ثقة أو غير ثقة؛ إلا أن السياق الذي ذكر ابن رجب ورود التعريف ضمنه، وهو سياق تفرّد الراوي عن شيخٍ - مشهور يكثر تلاميذه ويُجمع حديثه- فيتفرّد هذا الراوي برواية حديث عن هذا الشيخ دون بقية التلاميذ، ولا يتابعه أحد في روايته، ولا يكون هذا المتن معروفاً من غير ذلك الطريق، مما يُشير إلى وهم الراوي أو خطئه، فتفرد الثقة بحديث - متن- لا يضره إلا إذا كان فيه أمر لا يعرفه من لا يفوتهم معرفته أو جاء بأمر يُستنكر ... يدل على ذلك حديث عمرو بن عاصم السابق ذكره، والذي قال عنه: "هذا عندي حديث منكر، وهو عندي وهم من عمرو بن عاصم" ... ، ولما كان هذا الحديث عنده معلولاً كان لا بد أن يكون له علة، وقد أعله بأخف رواة السند ضبطاً "عمرو بن عاصم الكلابي"، فقال: وهو عندي وهم من عمرو بن عاصم. (٢)

"إذن فالمنكر عند البرديجي لا يعني مجرد التفرد بل الخطأ الذي يقع في الحديث". (٣)

وممن قيّد وصف المنكر بالتفرّد كذلك:

ـ ابن أبي حاتم، حيث تُعرف نكارة الحديث عنده بتفرّد من لم تصح عدالته بالرواية (٤)،


(١) ينظر: ابن رجب، المرجع السابق، ١/ ٤٥٠ - ٤٥٣ باختصار.
(٢) ينظر: المحمدي، الشاذ والمنكر وزيادة الثقة، ٥١ - ٥٢. باختصار.
(٣) المرجع السابق، ٥٢.
لخّص الدكتور عبدالجواد حمام معنى المنكر عند البرديجي فقال: خلاصة هذا:
١ - استعمل البرديجي وصف المنكر على ما تفرد به راوٍ عن إمام حافظ لا يُتصوَّر التفرد عن مثله؛ لكثرة أصحابه الثقات الذين ضبطوا حديثه، ولم يَفُتْهُم منه شيء.
٢ - استعمل مصطلح المنكر لوصف التفرد بمتن لا يُعرف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجه آخر، مع التفرد بالسند على الصورة السابقة.
٣ - المنكر عنده من الحديث المردود المرادف للمعلل. ينظر: حمام، التفرد، ٤٢٩ باختصار.
(٤) حيث قال - في مقدمة كتابه الجرح والتعديل- في بيان ما يميّز صحيح الحديث من سقيمه ومنكره: "ويقاس صحة الحديث بعدالة ناقليه، وأن يكون كلاما يصلح أن يكون من كلام النبوة، ويعلم سقمه وإنكاره بتفرد من لم تصح عدالته بروايته، والله أعلم." ابن أبي حاتم، الجرح، ١/ ٣٥١.

<<  <   >  >>