للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أفراد أئمة هذا الشأن وحذاقهم وإليهم المرجع في ذلك لما جعل الله فيهم من معرفة ذلك، والاطلاع على غوامضه دون غيرهم ممن لم يمارس ذلك."

وقد تقصر عبارة المعلِّل منهم، فلا يفصح بما استقر في نفسه من ترجيح [إحدى] الروايتين على الأخرى [كما] في نقد الصيرفي سواء، فمتى وجدنا حديثا قد حكم إمام من الأئمة المرجوع إليهم - بتعليله - فالأولى إتباعه في ذلك كما نتبعه في تصحيح الحديث إذا صححه." (١)

فالمراد بالغموض والخفاء في قيد العلة: غموض هذه العلل وخفائها على غير أهل هذا الفن؛ فهو غموض نسبيّ، وليس غموضاً مطلقاً (٢)؛ إذ لا يخفى ذلك على نقاد الحديث وجهابذته، -كما أوضح ذلك ابن حجر- وأكد عليه الجزائري بقوله:

"وهذه المسألة ليست من المسائل الغامضة، فإن كل من اشتغل بفن من الفنون، وتفرغ له، وسلك مسلك أهله، وصرف عنايته إليه، قد يَحكُم في مسائله بحكم لا يتيسَّر له إقامة الدليل الظاهر عليه، وإن كان له في نفس الأمر دليل ربما كان أقوى من الأدلة الظاهرة، إلا أن العبارة تقصر عنه، ولذلك ترى المشاركين له في تلك الحال يحكمون بمثل حكمه في الغالب.

ومن ثم اتفق الجهابذة من العلماء على أنه يُرجَع في مسائل كل فن إلى أهله المعنيين بأمره.

وعلى ذلك فلا يستغرب أن يقال إنه يجب في الحديث أن يرجع فيه إلى أئمته المشهورين، الذين تفرغوا له، وصرفوا أعمارهم في تحصيله، والبحث عن غوامضه وعلله وأحوال رجاله، فإذا ثبت اتفاقهم على شيء ثبوتا بينا، لم يسغ العدول عنه، ومن سلك مسلكهم تبين له مثل ما تبين لهم". (٣)

وقال الخطيب البغدادي -مبيّناً تفاوت العلة في الغموض والخفاء-:


(١) ابن حجر، النكت، ٢/ ٧١١.
(٢) ينظر: الحسني، المدار، ١/ ١٨٥.
(٣) الجزائري، توجيه النظر، ٢/ ٦٥٢.

<<  <   >  >>