للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا ما أكده كلٌ من الزركشي وابن حجر - في تنكيتهما على كتاب ابن الصلاح- حين شرحا قيد نفي الشذوذ في حدّ الحديث الصحيح، فذكرا أن المراد بالشذوذ المنفي في حدّ الصحيح هو: المخالفة (١).

ورجحه السيوطي أيضاً فقال: "قيل: لم يفصح بمراده من الشذوذ هنا، وقد ذكر في نوعه ثلاثة أقوال؛ أحدها: مخالفة الثقة لأرجح منه. والثاني: تفرد الثقة مطلقاً. والثالث: تفرد الراوي مطلقاً. ورد الأخيرين؛ فالظاهر أنه أراد هنا الأول." (٢)

وبالنظر في تعريفات الأئمة للحديث الصحيح، وما وضعوه من شروط في الراوي والمروي، نجد أن قيد نفي الشذوذ قد ذكره الشافعي حين نفى عن الراوي للصحيح وصف التدليس وعطف عليه نفي المخالفة بقوله: "برياً من أن يكون مدلساً، يحدث عمّن لقي ما لم يسمع منه، ويحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يحدث الثقات خلافه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " أي: وبريّاً من المخالفة كذلك، وتحديث الثقة بما يخالف رواية الثقات هو ما اختاره الشافعي تعريفاً للشذوذ.

أما الحميدي فقد عدد ما قد يُردّ به حديث الراوي من: الوهم، والكذب، والنسيان، وغير ذلك إلى أن قال: "وما أشبه ذلك مما يمكن أن يكون ذلك على خلاف ما قال", وفي موضع آخر نجده يتحدث عن ضبط الراوي وحفظه لكتابه، وصيانة مروياته عن المخالفة، وذلك لما للمخافة من أثر في ردّ الحديث وطرحه، فقال:


(١) قال الزركشي في النكت: "من شرط الحكم على الحديث بالصحة ألا يكون شاذاً والشاذ أن يروي الثقة حديثاً مخالفاً لرواية من هو أحفظ منه [وأضبط] "، وقال ابن حجر في النكت: "مراده بالشاذ هنا ما يخالف الراوي فيه من هو أحفظ منه أو أكثر كما فسره الشافعي. لا مطلق تفرد الثقة كما فسره به الخليلي. فافهم ذلك. وللمخالفة شرط يأتي في نوع زيادة الثقة." ينظر: الزركشي، النكت، ١/ ١٠١ - ١٠٢، ابن حجر، النكت، ١/ ٢٣٦ - ٢٣٧.
(٢) السيوطي، التدريب، ١/ ٦٤.

<<  <   >  >>