ورأينا عمر بن الخطاب يقول (يرحم الله أبا بكر ما سبقته إلى خير قط إلا سبقني إليه)(١) وهكذا.
كل رجل منهم كان يدفع الفضل عن نفسه، وينسبه إلى صاحبه إذ كان هاجسهم العمل وخدمة هذا الدين لا المفاضلة والافتخار على بعضهم البعض.
وإني أقول هذا وأنا أعلم أنّ من الناس من سيقرأ كلامي هذا غير آبه به، فالقضايا الهامشية التي ننتقد التركيز عليها وإثارتها هي أكبر قضايا الإسلام عنده!
ولهؤلاء أهدي لهم الحوار اللطيف الذي دار بين الحسين بن إسماعيل المحاملي وأبو بكر الداوودي في المفاضلة بين أبي بكر وعلي رضي الله عنهما.
فقد ذكر ابن الجوزي في كتابه "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" أنّ أبا بكر الداوودي قال يوماً في مجلس قد جمعه مع الحسين بن إسماعيل: والله ما تقدر تذكر مقامات علي مع هذه العامة، فقال له الحسين بن إسماعيل: أنا والله أعرفها، مقامه ببدر وأحد والخندق ويوم خيبر قال: فإن عرفتها فينبغي أن تقدّمه على أبي بكر وعمر.
قلت: قد عرفتها ومنه قدّمت أبا بكر وعمر عليه، قال: من أين؟
قلت: أبو بكر كان مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم على العريش يوم بدر، مقامه مقام الرئيس، ينهزم به الجيش، وعليّ مقامه مقام مبارز، والمبارز لا ينهزم به الجيش، وجعل يذكر فضائله وأذكر فضائل أبي بكر، فقلت: لا تنكر لهما حقاً، ولكن الذين أخذنا عنهم القرآن والسنن وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قدّموا أبا بكر فقدّمناه لتقديمهم فالتفت أحمد بن خالد فقال: ما أدري لم فعلوا هذا؟ قلت: إن لم تدر فأنا أدري، قال: لم
(١) مسند أحمد – حديث رقم (٤٣٤٠)، قال شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن.