للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولما بيّن سبحانه أنه يريد أن يُذهب الرجس عن أهل بيته ويطّهرهم تطهيراً، دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأقرب أهل بيته وأعظمهم اختصاصاً به، وهم علي وفاطمة رضي الله عنهما وسيدا شباب أهل الجنة، جمع الله لهم بين أن قضى لهم بالتطهير، وبين أن قضى لهم بكمال دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فكان في ذلك ما دلّنا على أنّ إذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم نعمة من الله ليُسبغها عليهم، ورحمةٌ من الله وفضلٌ لم يبلغوهما بمجرد حولهم وقوتهم، إذ لو كان كذلك لاستغنوا بهما عن دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كما يظن من يظن أنه قد استغنى في هدايته وطاعته عن إعانة الله تعالى له وهدايته إياه.

وقد ثبت أيضاً بالنقل الصحيح (١) أنّ هذه الآيات لما نزلت قرأها النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أزواجه، وخيّرهن كما أمره الله، فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة، ولذلك أقرّهنّ ولم يُطلّقهن حتى مات عنهن. ولو أردن الحياة الدنيا وزينتها لكان يُمتّعهن ويُسرّحهن كما أمره الله سبحانه وتعالى، فإنه صلى الله عليه وآله وسلم أخشى الأمة لربها وأعلمهم بحدوده.

ولأجل ما دلت عليه هذه الآيات من مضاعفة الأجور ورفع الوزر بلغنا عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين وقُرّة عين الإسلام أنه قال: (إني لأرجو أن يُعطي الله للمحسن منا أجرين، وأخاف أن يجعل على المسيء منا وِزرين) (٢).


(١) أخرجه البخاري في صحيحه – كتاب (سورة التفسير) - حديث رقم (٤٧٨٥، ٤٧٨٦) ومسلم في كتاب الطلاق – باب (بيان أن تخييره امرأته لا يكون طلاقاً إلا بالنية) – حديث (١٤٧٨) عن جابر بن عبد الله.
(٢) جامع المسائل – المجموعة الثالثة ص٧٤ - ٧٦

<<  <   >  >>