للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثالثاً: على فرض ثبوت زيادة (ولا يؤدي عني إلا علي) المذكورة في الحديث فإنه يُقال: إنّ العبارة مبهمة، لم يُنص فيها على المؤدى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما هو؟

ومن المحال أن يعني بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه لا يبلّغ عنه الدين مطلقاً إلا علي رضي الله عنه، فإنّ ذلك معارض لأصل عظيم من أصول الدين وهو وجوب نشر العلم وتبليغه كما قال عليه الصلاة والسلام: (نضّر الله عبداً سمع مقالتي هذه فحملها، فرُبّ حامل الفقه فيه غير فقيه ورب حامل الفقه إلى من هو أفقه منه) (١) بل ومعارضٌ لما تواتر من كونه صلى الله عليه وآله وسلم قد بعث غير عليِّ رضي الله عنه إلى الناس لتبليغهم تعاليم الدين فقد بعث النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى اليمن، وبعث مصعب بن عمير رضي الله عنه إلى أهل المدينة قبل مقدمه صلّى الله عليه وآله وسلّم، وغيرهم كثير.

ولكن المراد هو تأدية أمر مخصوص وهو نبذ العهد مع المشركين وإعلان البراءة منهم كما دلت على ذلك بعض الأحاديث بمجموعها.

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: (روى الترمذي وحسّنه وأحمد من حديث أنس قال: بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم براءة مع أبي بكر ثم دعا علياً فأعطاها إياه وقال: (لا ينبغي لأحد أن يبلّغ هذا إلا رجل من أهلي) وهذا يوضّح قوله في الحديث الآخر (لا يبلغ عني) ويُعرف منه أنّ المراد خصوص القصة المذكورة لا مطلق التبليغ) (٢).


(١) رواه أحمد في المسند – حديث رقم (١٣٣٧٤) – قال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن.
(٢) فتح الباري (٨/ ٢٣٩)

<<  <   >  >>