للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإنّ كتب التاريخ التي تُقرأ اليوم كـ"البداية والنهاية" لابن كثير و"الكامل في التاريخ" لابن الأثير و"المنتظم" لابن الجوزي وغيرها كلها معتمدة على رواية (سيف بن عمر الضبّي) المذكورة في "تاريخ الطبري" وإنّ هؤلاء الذين يكثرون من تسطير أسماء كتب التاريخ في الحواشي بُغية إعطاء نوع من المصداقية لما ينقلونه من مطاعن في الصحابة يجهلون أو ربما يتجاهلون أنّ أغلب هذه الكتب إنما تنقل عن "تاريخ الطبري" اعتماداً على رواية سيف المشار إليها، ولهذا لا يصح أن يحتج محتج بما تضمنته تلك الرواية بحجة أنها مذكورة في الكتاب التاريخي الفلاني دون النظر إلى إسنادها وعرضها على مائدة النقد العلمي.

كيف والرواية انفرد بذكرها (سيف بن عمر الضبّي) وهو كذاب مشهور؟!

قال فيه أبو نعيم الأصبهاني: (متهم في دينه مرمي بالزندقة ساقط الحديث، لا شيء).

وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات.

وقال أبو حاتم: متروك الحديث يشبه حديثه حديث الواقدي.

وقال الدارقطني: متروك الحديث، وفي قول آخر له: ضعيف، وقال النسائي: ضعيف.

وقال ابن عدي: (بعض أحاديثه مشهورة وعامتها منكرة لم يتابع عليها)

أما الشيعة، فرأيهم في (سيف بن عمر) واضح وجلي لا يحتاج إلى إثبات.

فقد ألف مرتضى العسكري كتابه "عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى" اعتماداً على فكرة أساسية هي كون (سيف بن عمر الضبّي) وهو الراوي الوحيد لقصة ابن سبأ مطعون فيه عند

علماء الجرح والتعديل عند السنة والشيعة (١).


(١) انفرد سيف بن عمر بذكر الدور الخارق لابن سبأ في فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه، ولا بد أن نفرّق بين انفراده بذكر الدور الخارق لابن سبأ وبين صحة وجود شخصية باسم (عبد الله بن سبأ)، فإنّ هذه = ... = الشخصية ثابتة بلا ريب بروايات سنية في تاريخ ابن عساكر وغيره -بعضها صحيح السند- وبروايات شيعية –بعضها صحيح السند عند علماء الشيعة - في رجال الكشي والغارات للثقفي وغيرهما، وأقوال العلماء المتقدمين من السنة والشيعة في وجود هذه الشخصية وفي كون إطارها الحقيقي إنما هو الغلو في الإمام علي والطعن في الشيخين مما لا ينكره إلا أحد إثنين: إما جاهل بأقوالهم أو معاند مكابر.
وقد كفانا الشيخ علي آل محسن- وهو من علماء الشيعة المعاصرين- مؤونة التفصيل إذ قال في كتابه "لله وللحقيقة ص٣٤" في رده على (حسين الموسوي): (وإنّ العجب ممن يدَّعي الفقاهة والاجتهاد كيف تخفى عليه مسألة بسيطة من أبسط المسائل الرجالية، وهي أنّ المشهور الذي كاد أن يكون إجماعاً بين علماء وفقهاء الإمامية قديماً وحديثاً أنّ عبد الله بن سبأ شخصية كان لها وجود، وقد نصَّ العلماء على ذلك في كتبهم الرجالية المعروفة)، ويقول أيضاً في ص٣٦: (إنّ مشهور علماء الشيعة- ومن جملتهم كاشف الغطاء- قد ذهبوا إلى وجود عبد الله بن سبأ، وأنه ادّعى الألوهية لأمير المؤمنين عليه السلام فأحرقه بالنار في جملة رجال ادّعوا ذلك معه، وهذا يعرفه كل من بحث في كتب الرجال وتفحّص الأقوال).

<<  <   >  >>