للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أقول: قد أحسن ابن حجر والعيني فيما قالا، فعِلم الآخرة عند الله تعالى، فقد يكون المرء مستحقاً للعقاب أو الحد في الدنيا ويكون عند ربه عز وجل من المغفور لهم والمرحومين فالأمر عند الله تعالى إن شاء عفا وإن شاء عذبه.

وكلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم - كما قال الحافظ ابن حجر- قد يحتمل أنّ كركرة من أهل النار وأنه يعذب فيها لذنبه، وقد يحتمل أنه مستحق للعذاب فيها إن لم يعف الله عنه.

وكلا الاحتمالين لن يغيّرا من الأمر شيئاً، فكلامنا عن العدالة مرتبط بالدنيا لا بالآخرة فلا يصح لعاقل أن يستدل بكلام ابن حجر السابق لِلي عنق النص بحيث يُجعل المستحق لدخول النار بنص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عدلاً، فمن يجرؤ على الإدعاء بأنّ من شهد له النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل موته بالنار (عدل في الدنيا)!

فإن كان كركرة عدلاً مستقيماً، فلِم شهد له النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالنار؟! (١)

أما احتمال ابن التين أن تكون النار قد وجبت له من نفاق كان يسره، فهو احتمال بعيد لا يملك أحدٌ منا دليلاً عليه، والجزم بخروج كِرْكِرَة من العدالة أهون من جعله في زمرة المنافقين كما تعلم!

فأما المتعصبون فسيكونون فريقين، فريق يتعصب للعدالة دون النص فيجعل كركرة عدلاً مع دخوله النار! وفريق آخر سيتعصب لهواه فيجعل الصحابة كلهم (كركرة)!


(١) إنّ هذا ليذكرني بتعليق للشيخ الألباني رحمه الله على حديث (قاتل عمار في النار) حيث ذكر في تعليقه على الحديث في السلسلة الصحيحة ٥/ ١٩بأنه أبو الغادية الجهني، وذكر جزم ابن معين بأنه قاتل عمار ثم قال معلقاً على قاعدة العدالة: (فالصواب أن يقال: إنّ القاعدة صحيحة إلا ما دلّ الدليل القاطع على خلافها فيُستثنى ذلك منها كما هو الشأن هنا، وهذا خير من ضرب الحديث الصحيح بها، والله أعلم).

<<  <   >  >>