للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ابن المغربيّ إليه وعرّفه ما فيه الغرض، وصار من خواصّه.

ولم يكن عند أهل الدولة علم من أنّ المستنصر استدعاه وظنّوا أنّه قدم زائرا، فلم يتأخّر أحد منهم عن ضيافته والقيام بما يتعيّن من كرامته، وقدّموا إليه أشياء كثيرة حتى كملت نوبه من الجميع.

[ف] استدعى الأمراء إلى دعوة صنعها لهم، وقرّر مع خواصّه أنّه إذا بات الأمراء وجنّهم الليل فإنّه لا بدّ لكلّ واحد منهم أن يصير إلى الخلاء لقضاء حاجته، فمن صار منهم إلى الخلاء يقتل فيه ووكّل بكلّ أمير منهم واحدا من أصحابه، وجعل له سائر ما هو بيد ذلك الأمير من إقطاع وجار ودار ومال وجوار وغير ذلك.

فلمّا حضر الأمراء عنده وقام لهم بما يليق بهم ظلّوا نهارهم عنده في أرغد عيش وباتوا مطمئنّين إليه. فلم يطلع الفجر حتى استولى أصحاب أميرالجيوش على بيوت الأمراء وصارت رءوس الأمراء بين يديه. فقويت شوكته وانبسطت يده وخلت الديار له من منازع. فاستدعاه حينئذ المستنصر وقرّره في الوزارة وردّ إليه الأمور كلّها وعاهده على ذلك. وكتب له سجلّ نعت فيه ب «السيّد الأجلّ أمير الجيوش كافل قضاة المسلمين وهادي دعاة المؤمنين»، وصار القاضي والداعي نائبين عنه يقلّدهما [٢٤٣ أ] هو.

وكان من جملة ما في سجلّه بعد التقريظ الكبير: وقد قلّدك أمير المؤمنين جوامع تدبيره وناط بك النظر في كلّ ما وراء سريره، فباشر ما قلّدك أمير المؤمنين من ذلك مدبّرا للبلاد، مصلحا للفساد، ومدمّرا أهل العناد.

وخلع عليه بالعقد المنظوم بالجوهر بدل الطوق الذي كان للأمراء، وزيد له الحنك الذي يعرف اليوم باللثام مع الذؤابة المرخاة، وهي التي يقال لها العذبة (١)، وجعل له الطيلسان المقوّر- ويعرف اليوم بالطرحة، وهي التي يلبسها قاضي القضاة.

ونزل إلى داره، فحضر إليه المتصدّرون بالجامع للسلام عليه. وقرأ القارئ: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ [آل عمران: ١٢٣]، وسكت عن تمام الآية (٢)، فقال له بدر: والله لقد جاءت في مكانها، وجاء سكوتك عن تمام الآية أحسن- وأنعم عليه.

وشرع في تدبير الأحوال، واستبدّ بأمور الدولة، وحجّر على المستنصر أتمّ حجر، وكبر أمره، وأخذ في تلافي ما انتهك من حرمته.

وكانت الأحوال قد فسدت والأمور قد تغيّرت وطوائف العسكر قد انتشرت، والوزراء يقنعون بالاسم دون نفاذ الأمر والنهي، والرخاء قد أيس منه، والصلاح لا يطمع فيه، ولواتة قد ملكت الوجه البحريّ كلّه، والعبيد في الصعيد، والطرقات قد انقطعت برّا وبحرا إلّا بالخفارة الثقيلة، والخراب قد شمل مدينة مصر، والعسكر [قد ثاروا]. فتجرّد لإزالة الفساد، وساعدته الأقدار حتى أنشأ دولة جديدة، واستعاد ما كان قد تغلّب عليه أمراء البلاد وقضاتها مثل عسقلان وصور وطرابلس. وقتل سائر أهل الفساد.

وأنشأ دارا بحارة برجوان من القاهرة وسكنها، فعرفت بعده بدار المظفّر. وقتل من أماثل المصريّين وقضاتهم ووزرائهم وأعيانهم خلقا كثيرا. وقدمت إليه عدّة من طوائف الأرمن تقوّى بهم.

فلمّا دخلت سنة سبع وستّين [وأربعمائة] حصر شكليّ (٣) أخو أتسز [بن أوق] الخوارزميّ ثغر عكّا


(١) انظر: ابن المأمون ٧٦.
(٢) وتمامها: وأنتم أذلّة.
(٣) اتّعاظ ٢/ ٣١٤ ولم يقل إنّه أخو أتسز.

<<  <  ج: ص:  >  >>